ومن هنا وردت روايات كثيرة تبلغ حدّ التواتر في ذم هذه الطائفة ، وقد ورد فيها أنّهم مجوس هذه الامّة (١) حيث إنّ المجوس يقولون بوجود إلهين :
أحدهما خالق الخير. وثانيهما خالق الشر ، ويسمّون الأوّل يزدان ، والثاني أهريمن ، وهذه الطائفة تقول بوجود آلهة متعددة بعدد أفراد البشر ، حيث إنّ هذا المذهب يقوم على أساس أنّ كلاً منهم خالق وموجد بصورة مستقلة بلا حاجةٍ منه إلى الاستعانة بغيره ، غاية الأمر أنّ الله تعالى خالق للأشياء الكونية كالانسان ونحوه ، والانسان خالق لأفعاله الخارجية من دون افتقاره في ذلك إلى خالقه.
وقد استدلّ على هذه النظريّة : بأنّ سرّ حاجة الممكنات وفقرها إلى العلّة هو حدوثها ، وبعده فلاتحتاج إليها أصلاً ، لاستغناء البقاء عن الحاجة إلى المؤثّر.
وعليه فالانسان بعد خلقه وإيجاده لا يحتاج في بقائه إلى إفاضة الوجود من خالقه. فإذن بطبيعة الحال يستند صدور الأفعال إليه استناداً تاماً لا إلى العلّة المحدثة ، ومن الواضح أنّ مردّ هذا إلى نفي السلطنة عن الله ( عزّ وجلّ ) على عبيده نفياً تامّاً.
والجواب عن ذلك : يظهر على ضوء درس هذه النقطة ـ استغناء البقاء عن المؤثر ـ ونقدها : مرّةً في الأفعال الاختيارية ، واخرى في الموجودات التكوينية.
أمّا في الأفعال الاختيارية ، فهي واضحة البطلان ، والسبب في ذلك : ما أشرنا إليه آنفاً من أنّ كل فعل اختياري مسبوق باعمال القدرة والاختيار ، وهو فعل اختياري للنفس ، وليس من مقولة الصفات ، وواسطة بين الارادة والأفعال الخارجية ، فالفعل في كل آن يحتاج إليه ولا يعقل بقاؤه بعد انعدامه وانتفائه ، فهو تابع لاعمال قدرة الفاعل حدوثاً وبقاءً ، فان أعمل قدرته فيه تحقق في الخارج ، وإن لم يعملها فيه استحال تحققه ، فعلى الأوّل إن استمرّ في
__________________
(١) بحار الأنوار ٥ : ٩.