باختلاف الدلالات ، وغير المتغير ـ أي ما ليس متغيراً وهو المعنى النفسي ـ مغاير للمتغير الذي هو العبارات ، ونزعم أنّه ـ أي المعنى النفسي الذي هو الخبر ـ غير العلم ، إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه ، بل يعلم خلافه أو يشك فيه ، وأنّ المعنى النفسي الذي هو الأمر غير الارادة ، لأنّه قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا ، فانّ مقصوده مجرد الاختبار ، دون الاتيان بالمأمور به ، وكالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه ، فانّه قد يأمره وهو يريد أن لا يفعل المأمور به ليظهر عذره عند من يلومه.
واعترض عليه : بأنّ الموجود في هاتين الصورتين صيغة الأمر لا حقيقته ، إذ لا طلب فيهما أصلاً ، كما لا إرادة قطعاً ، فإذن هو ـ أي المعنى النفسي الذي يعبّر عنه بصيغة الخبر والأمر ـ صفة ثالثة مغايرة للعلم والارادة ، قائمة بالنفس ، ثمّ نزعم أنّه قديم لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى (١).
ومن الغريب جداً ما نسب إلى الحنابلة في شرح المواقف وهذا نصّه : قال الحنابلة : كلامه حرف وصوت ، يقومان بذاته تعالى ، وأ نّه قديم ، وقد بالغوا فيه حتّى قال بعض جهلاً : الجلد والغلاف قديمان فضلاً عن المصحف (٢).
يتضمن هذا النص عدّة خطوط :
١ ـ إنّ لله تعالى سنخين من الكلام : النفسي واللفظي. والأوّل من صفاته تعالى ، وهو قديم قائم بذاته الواجبة دون الثاني.
٢ ـ إنّ الكلام النفسي عبارة عن المعنى القائم بالنفس ، ويبرزه في الخارج بالألفاظ والعبارات بشتّى ألوانها وأشكالها ، ولا يختلف ذلك المعنى باختلافها ،
__________________
(١) شرح المواقف : ٩٣.
(٢) شرح المواقف : ٩٢.