نعم ، تختلف المواد باختلاف اللغات ، فيختص التبادر فيها بأهل كل لغة ، فلا يتبادر من لفظ العجمي للعربي شيء وبالعكس ، نظراً إلى اختصاص الوضع بأهله ، وهذا هو السر في رجوع أهل كل لغة في فهم معنى لغة اخرى إلى أهلها وتبادره عنده ، فالعجمي يرجع في فهم اللغة العربية إلى العرب ، وهكذا بالعكس ، وهذا بخلاف الهيئات ، فانّها على اختلاف اللغات مشتركة في معنى واحد ، فالهيئات الاشتقاقية بشتّى أنواعها وأشكالها وضعت لمعنى واحد وهو خصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً.
ثمّ إنّ هذا التبادر لا يختص بالجمل التامة ، ليقال إنّ منشأه ظهور الحمل في التلبس الفعلي ، بل إنّ حال هيئة المشتق حال هيئة المركبات التقييدية كالاضافة والتوصيف ، فكما أنّ المتبادر عند أهل العرف من تلك المركبات فعلية النسبة والقيد ، ولا تصدق خارجاً إلاّمع فعلية الاتصاف ، فكذلك المتبادر عندهم من المشتقات ذلك. فهذا التبادر يكشف كشفاً قطعياً عن الوضع لخصوص المتلبس ، لأ نّه غير مستند إلى القرينة على الفرض ، ولا إلى كثرة الاستعمال ، ضرورة أنّ العرف حسب ارتكازهم يفهمون من المشتقات المتلبس من دون ملاحظة الكثرة وحصول الانس منها ، فالنتيجة : دعوى أنّ هذا التبادر مستند إلى كثرة الاستعمال دون الوضع دعوى جزافية.
الثاني : صحّة سلب المشتق عمّن انقضى عنه المبدأ ، فيقال زيد ليس بعالم بل هو جاهل ، وهي أمارة أنّ المشتق مجاز فيه وإلاّ لم يصحّ السلب عنه.
وقد يورد عليه : أنّ المراد من صحّة السلب إن كان صحّة السلب مطلقاً فغير صحيح ، ضرورة صحّة حمل المشتق على المنقضي عنه المبدأ بمعناه الجامع.
وإن كان مقيداً فغير مفيد ، لأنّ علامة المجاز صحّة سلب المطلق دون المقيد.
ولا يخفى أنّ هذا صحيح فيما إذا تردد المفهوم العرفي للفظ بين السعة والضيق