وأمّا
على الثالث ، فالحال فيه أوضح
من الثاني ، فانّ القاعدة المزبور لو تمّت فانّما تتم في الواحد الحقيقي لا في
الواحد العنواني ، والمفروض أنّ الغرض في كثير من العلوم واحد بالعنوان لا
بالحقيقة ، فان صون الفكر عن الخطأ في الاستنتاج في علم المنطق ، وصون اللسان عن
الخطأ في المقال في علم النحو ، والاقتدار على الاستنباط في علم الاصول ، وهكذا ،
ليس واحداً بالذات ، بل بالعنوان الذي انتزع من مجموع أغراض متعددة بتعدد القواعد
المبحوث عنها في العلوم ، ليشار به إلى هذه الأغراض.
فإذن كيف يكشف مثل
هذا الواحد عن جامع ذاتي؟ فانّ الواحد بالعنوان لا يكشف إلاّعن واحد كذلك.
وثانياً
: أنّ الغرض
المترتب على كل علم لايترتب على نفس مسائله الواقعية وقواعده النفس الأمرية ،
ليكشف عن جامع وحداني بينها ، ويقال ذلك الجامع الوحداني موضوع العلم ومؤثر في ذلك
الغرض ، وهذا لعلّه من أبده البديهيات ، فانّ لازم ذلك حصول ذلك الغرض لكل من كان
عنده كتب كثيرة من علم واحد أو علوم مختلفة ، من دون أن يكون عالماً بما فيها من
القواعد والمسائل.
بل هو مترتب على
العلم بنسبها الخاصة ، وبثبوت محمولاتها لموضوعاتها ، فانّ الاقتدار على الاستنباط
في علم الاصول ، إنّما يترتب على معرفة قواعده ، بأن يعرف حجية أخبار الثقة ،
وحجية ظواهر الكتاب ، والاستصحاب ، ونحوها ، فإذا عرف هذه القواعد ، وعلم بنسبها
الخاصة ، يحصل له الاقتدار على الاستنباط.
وصون اللسان عن
الخطأ في المقال في علم النحو إنّما يحصل لمن يعرف مسائله وقواعده ، كرفع الفاعل
ونصب المفعول وجرّ المضاف إليه ، ونحو ذلك.
وصون الفكر عن
الخطأ في علم المنطق ، إنّما يترتب على معرفة قوانينه وقواعده ، كايجاب الصغرى
وكلية الكبرى وتكرر الحد الأوسط ، وهكذا.