المناقشة في دلالة الآية
ثم إن الآية المباركة وقعت مورداً للكلام والإشكال ، وذلك لأن المذكور فيها أُمور أربعة وهي : المرض والسفر والمجيء من الغائط ولمس النساء. وقد عطف بعضها على البعض الآخر بحرف « أو » ، وظاهره أن المرض والسفر مثل الأخيرين سببان مستقلاّن لوجوب التيمّم عند عدم وجدان الماء ، مع أنهما ليسا كذلك وإنما يوجبان التيمّم فيما إذا كان معهما شيء من الحدث الأصغر أو الأكبر أعني الأخيرين ، وإلاّ فمجرّد المرض أو السفر لا يوجب الحدث والتيمّم بوجه.
وقد ذكر الآلوسي في تفسيره (١) وكذا الزمخشري في الكشاف (٢) أن الآية من الآيات المعضلة والمشكلة ، لما عرفت من كونها على خلاف فتوى الفقهاء.
وقد يجاب عن ذلك بأن « أو » في الآية المباركة بمعنى الواو فترتفع المناقشة ، إذ لا تكون الآية ظاهرة في سببية المرض والسفر للتيمم ، وإنما تدل على أن التيمّم مشروع عند تحقق الأُمور المذكورة فيها.
وفيه : أن ( أو ) لا تستعمل بمعنى الواو ، وحمله عليها خلاف الظاهر لا يمكن المصير إليه.
وذكر الشيخ محمد عبده وتلميذه (٣) في تفسيره الآية المباركة في سورة المائدة وأشار إليه في سورة النساء : أن الآية ليس فيها أي إعضال وإشكال ، بل لا بدّ من الالتزام بظاهرها وهو كون المرض والسفر بنفسهما يوجبان التيمّم كما أن الحدث الأكبر والأصغر يوجبان التيمّم. ولا مانع من أن تكون المشقة النوعية في الوضوء والغسل في حق المريض والمسافر موجبة لتبدل حكمهما إلى التيمّم ، كما أوجبت المشقة النوعية تبدل حكم المسافر حيث تبدل حكمه إلى القصر في الصلاة والصيام مع أنهما أهمّ من الوضوء والغسل ، فاذا جاز التبدل في الأهم لأجل المشقة النوعية جاز التبدل في غير
__________________
(١) روح المعاني ٢ : ٤٣.
(٢) لم نعثر عليه في تفسيره للآية.
(٣) تفسير المنار ٥ : ١٢٠.