والوجدان في اللغة بمعنى الإدراك والإصابة والظفر (١) ، إلاّ أن المراد به في الآية المباركة ليس هو عدم الإدراك والإصابة حقيقة وعقلاً ، بل أعم منه ومن العجز عن استعماله شرعاً كما لو كان الماء الموجود مغصوباً.
ويدلُّ عليه قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ ... فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) فإن الأمر بغسل الوجه لا يمكن إلاّ مع التمكّن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً.
وقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ... ) فان المسافر ولا سيما في الأزمنة القديمة وفي الصحاري والقفار وإن كان قد لا يجد الماء حقيقة إلاّ أن المريض غالباً متمكن من الماء حقيقة وعقلاً إلاّ أنه عاجز عن استعماله لكونه مضراً به.
فالمتلخص : أن المراد من عدم وجدان الماء في الآية الكريمة هو عدم التمكن من الاستعمال عقلاً أو شرعاً.
ثم إنه لو كنّا نحن وهذه الآية المباركة لخصّصنا مشروعية التيمّم بموارد عدم التمكن من استعماله عقلاً أو شرعاً كما مرّ ، إلاّ أن أدلة نفي الضرر والحرج دلتنا على أن مشروعية التيمّم عامة لما إذا تمكن المكلف من استعمال الماء عقلاً وشرعاً بأن كان الماء مباحاً له إلاّ أن استعماله حرجي وعسري في حقه فلا بدّ من التيمّم حينئذ.
وهذا في الحقيقة تخصيص في أدلة الوضوء والغسل ، لأن أدلة نفي الضرر والحرج حاكمة على أدلة وجوب الوضوء أو الغسل ، وقد أوضحنا في محله أن الحكومة هي التخصيص واقعاً غاية الأمر أنها نفي للحكم عن موضوعه بلسان نفي الموضوع وعدم تحققه (٢).
فما ذكره في المتن من أن التيمّم يسوغه العجز عن استعمال الماء لعله ناظر إلى أصل مشروعية التيمّم بالجعل الأولي ، وإلاّ فبالنظر إلى العنوان الثانوي لا تختص مشروعيته بالعجز بل تثبت عند الضرر والحرج أيضاً ، هذا.
__________________
(١) لسان العرب ٣ : ٤٤٥.
(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٥٢.