مباحاً إلى الإتيان بها مقدمة لارتكاب غير المحرم وفراراً عن المبغوض المحرم وهو المس حال الحدث ، وهذا أمر راجح أيضاً ومقرب ونحو من الإضافة إلى الآمر سبحانه وهو كافٍ في صحّتها وعباديتها.
إذن لا فرق في عبادية الطهارات بين كون غاياتها مثل المس واجبة أو مستحبّة أو مباحة ، هذا.
وقد يقال (١) : أن إتيان الطهارات الثلاثة مقدّمة للمس الواجب أو المستحب لا يوجب صحّتها وكونها عبادة ، وذلك لأنّها ليست مقدمة للمس الواجب أو المستحب أو الجائز ، ونعبِّر عنها بالجواز بالمعنى الأعم.
بل الطّهارة مقدمة لجواز المس بالمعنى الأعم إذ لولا كونها لم يكن المس جائزاً فلو أتى بها مقدمة للمس الجائز لم تصح إذ لا مقدمية لها للمس ، بل لا بدّ من الإتيان بها لغاية أُخرى من غاياتها حتّى يكون متطهراً فيجوز له مس الكتاب العزيز حينئذ.
ويرده : أوّلاً : أنّ المستفاد من الأدلّة أن للمس قسمين وحصّتين : إمّا جائز بالمعنى الأعم أو غير جائز ، والطّهارة مقدمة للحصّة الجائزة ، فتكون الطّهارة قيداً للجائز ومقدمة له لا أنّها قيد للجواز ، فلا مانع من الإتيان بالطّهارة لكونها مقدمة للحصّة الجائزة من المس.
وثانياً : أن كون الطّهارة مقدمة للجواز دون الجائز أمر غير معقول في نفسه لأنّ الطهارات إذا كانت قيداً للوجوب أو الاستحباب أو الجواز لم يكن وجوب قبلها ، وإذا لم تكن الطّهارة واجبة فيجوز للمكلّف تركها ، إذ لا يجب عليه إيجاد ما هو مقدمة للتكليف ، فأي داع للمكلّف لإتيانه بها؟
فجعل الطّهارة قيداً ومقدمة للوجوب أي الجواز بالمعنى الأعم يفضي إلى عدم وجوب الطّهارة ، ومع عدمها لا يجب المس ، وهذا خلف لأنّ المفروض أنّ المس واجب.
__________________
(١) والقائل هو السيد الحكيم (ره) في المستمسك ٤ : ٤٩٠.