في جانبها العبادي ، ولا يخفى أنّ البكاء هو تجسيد لخشية المؤمن وطاعته لربّه ، وذوبانه في حبّه ، سيّما إذا كان صادراً عن قلب مخلص متعلّق بخالقه.
عن خالد بن أبي الهيثم ، عن محمد بن علي بن الحسين عليهمالسلام ، قال : «ما اغرورقت عين بمائها من خشية اللّه تعالى إلاّ حرّم اللّه وجه صاحبها على النار ، فإن سالت على الخدّين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة ، وما من شيء إلاّ له جزاء إلاّ الدمعة ، فإن اللّه يكفّر بها بحور الخطايا ، ولو أنّ باكياً بكى في أُمّة لحرّم اللّه تلك الأُمّة على النار» (١).
من هنا كان الإمام الباقر عليهالسلام يبكي في الحجّ بمجرّد أن يدخل المسجد الحرام تضرّعاً وخشوعاً للّه سبحانه ، وحين ينفتل من صلاته يبتلّ موضع سجوده من الدموع ، قال أفلح مولى الإمام الباقر عليهالسلام : «خرجت مع محمد بن علي عليهماالسلام حاجّاً ، فلما دخل المسجد الحرام نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته ، فبكى الناس لبكائه ، فقلت : بأبي وأُمّي إنّ الناس ينظرون إليك ، فلو رفقت بنفسك قليلاً. فقال : ويحك! لِمَ لا أبكي؟! لعلّ اللّه ينظر إليّ برحمة منه فأفوز بها عنده غداً. قال : ثم طاف بالبيت حتى جاء فركع عند المقام ، ورفع رأسه من سجوده ، فإذا موضع سجوده مبتلّ كلّه من دموعه» (٢).
__________________
(١) كشف الغمّة ٢ : ٣٦٠ ، نور الأبصار : ١٩٢ ، مطالب السؤول : ٨٠ ، تذكرة الخواص : ٣٤٩ ، البداية والنهاية ٩ : ٣٤١ ، أخبار الدول ١ : ٣٣٢.
(٢) كشف الغمّة ٢ : ٣٢٩ و ٣٦٠ ، حلية الأولياء ٣ : ١٨٦ ، الفصول المهمّة : ١٩٤ ، نور الأبصار : ١٩٣ ، المختار في مناقب الأخيار / ابن الأثير الجزري : ٣٠ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٨٠ ، تذكرة الخواص : ٣٤٩ ، روض الرياحين / اليافعي : ٥٧.