ولولا ما سمعته من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعلمه وفضله ، وما بلغني من السفاح فيه من تقريظه وتفضيله ، لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقاً.
فقال أبو يوسف : نساؤه طوالق ، وعتق جميع ما يملك من الرقيق ، وتصدّق بجميع ما يملك من المال ، وحبس دوابه ، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام ، إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج ، لا يذهب إليه ، ولا مذهب أحد من ولده ، ولا ينبغي أن يكون هذا منهم ، .... ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه.
قال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام بصورة الأمر ، فورد الكتاب إليه ، فأشار عليه أصحابه أن يغيب شخصه عن هذا الجبار لأنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه ، فتبسم موسى عليهالسلام ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :
زعمت سخينة أن ستغلب ربها |
|
فليغلبن مغالب الغلاب (١) |
ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرخ روعكم ، انه لا يرد أول كتاب من العراق إلاّ بموت موسى بن المهدي وهلاكه إلى أن قال : وقال : بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي ، وقد تنومت عيناي ، إذ سنح جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله في منامي ، فشكوت إليه موسى بن المهدي ، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته ، وأنا مشفق من غوائله ، فقال لي : لتطب نفسك يا موسى ، فما جعل الله لموسى عليك سبيلاً ، فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك الله آنفاً عدوك ، فليحسن لله
__________________
(١) البيت لكعب بن مالك ، وقيل : لحسان بن ثابت ، وسخينة : لقب قريش ، لأنها كانت تعاب بأكل السخينة ، وهي طعام يتخذ من الدقيق ، يأكلونه أيام القحط.