وهو أن ندفع السيئة بالحسنة ، كي نقتل العداوة فيهم ، ونجعل إنسانيتهم تنفتح على المحبة والإيمان ، وهي عملية تحتاج إلى ضبط أعصاب وسعة صدر ، ولا يلقّاها إلاّ ذو حظ عظيم.
وروي أن عبداً لموسى بن جعفر عليهماالسلام قدّم إليه صحفة فيها طعام حار ، فعجّل فصبّها على رأسه ووجهه ، فغضب فقال له : « ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) ، قال : قد كظمت ، قال : ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، قال : قد عفوت ، قال : ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، قال : أنت حرّ لوجه الله ، وقد نحلتك ضيعتي الفلانية » (٢).
وعن أحمد بن عمر الخلال ، قال : «سمعت الأخرس يذكر موسى بن جعفر عليهماالسلام بسوء ، فاشتريت سكيناً وقلت : والله لأقتلنه إذا خرج للمسجد ، فأقمت على ذلك ، وجلست فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليهالسلام قد طلعت علي فيها مكتوب : بحقي عليك لما كففت عن الأخرس ، فإن الله ثقتي وهو حسبي ، فما بقي أيام إلاّ ومات » (٣).
وبينا موسى بن عيسى العباسي في داره التي في المسعى يشرف على المسعى ، اذ رأى أبا الحسن موسى عليهالسلام مقبلاً من المروة على بغلة ، فأمر ابن هياج رجلاً من همدان منقطعاً إليه أن يتعلق بلجامه ويدّعي البغلة ، فأتاه فتعلّق باللجام وادّعى البغلة ، فثنى أبو الحسن عليهالسلام رجله فنزل عنها ، وقال لغلمانه : « خذوا سرجها عنها وادفعوها إليه » (٤).
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٣٤.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٤٦.
(٣) الخرائج والجرائح ٢ : ٦٥١ / ٣ ، الثاقب في المناقب : ٤٣٨.
(٤) الكافي ٨ : ٨٦ / ٤٨ ، مجموعة ورّام ٢ : ١٣٥.