وأما من أسلم من قريش فإنهم مما نحن فيه خلاء ، منهم الحليف الممنوع ، ومنهم ذو العشيرة التي تدافع عنه ، فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن ، فكان ذلك ما شاء الله أن يكون .
ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا أحمر البأس ودعي للنزال ، أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى أصحابه بهم حدّ الأسنة والسيوف . فقتل عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد من لو شئت ذكر اسمه (١) مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي ( ص ) غير مرة ، إلا أن آجالهم عُجّلت ومنيتهم أُخّرت ، والله ولي الإِحسان إليهم ، والمنة عليهم بما أسلفوا من أمر الصالحات ، فما سمعت بأحد ولا رأيته هو أنصح في طاعة رسوله ولا لنبيه ، ولا أصبر على اللأواء والسراء والضراء وحين البأس ، ومواطن المكروه مع النبي ( ص ) من هؤلاء النفر الذين سميتُ لك وفي المهاجرين خير كثير يعرف ، جزاهم الله خيراً بأحسن أعمالهم .
وذكرت حسدي للخلفاء وابطائي عنهم ، وبغيي عليهم ، فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الإِبطاء عنهم والكراهية لأمرهم فلست اعتذر للناس عن ذلك .
إن الله تعالى ذكره لما قبض نبيه ، قالت قريش : منا أمير ؛ وقالت الأنصار : منا أمير ؛ فقالت قريش : منا محمد ( ص ) نحن أحق بالأمر ! فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان ، فإذا استحقوها بمحمد دون الأنصار ، فان أولى الناس بمحمد أحق به منهم ، وإلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيباً ، فلا أعلم ، أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا ، بل عرفت أن حقي هو المأخوذ ، وقد تركته لهم تجاوزاً لله عنهم .
__________________
(١) يعني نفسه ( ع ) .