وهدأت المعركة ليستريح المحاربون ، غير أن أمير المؤمنين علياً أبى أن يستريح ، فأخذ يجول متفقداً من استشهد حوله ، حتى وقف على أبي اليقظان عمار بن ياسر ، فبكى بكاءً شديداً ، ثم قال مسمعاً من حوله :
« إن أمرؤ من المسلمين لم يعظُمْ عليه قتلُ ابن ياسر وتدخل به عليه المصيبةُ الموجعةُ لغيرُ رشيد ! رحم الله عمّاراً يوم أسلم ، ورحم الله عمّاراً يوم قُتل ، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً » . ثم قال :
لقد رأيت عماراً وما يُذكر من أصحاب رسول الله ( ص ) أربعةٌ إلا كان رابعاً ، ولا خمسةٌ إلا كان خامساً ، وما كان أحد من قدماءِ أصحاب رسول الله ( ص ) يشكُّ أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا إثنين ، فهنيئاً لعمار بالجنة ، ولقد قيل : إن عماراً مع الحق ، والحق معه ، يدور عمّارٌ مع الحق أينما دار ، وقاتل عمار في النار (١) .
وكان عمار أوصى بقوله : « لا تغسلوا عني دماً ولا تحثو علي تراباً . . ادفنوني في ثيابي فإني مخاصِم ! » فصلَّىٰ عليه أمير المؤمنين ولم يُغسّله .
وكان خزيمةُ بن ثابت الملقب بذو الشهادتين قد حضر صفين ولم يقاتل ، فلما قُتل عمار بن ياسر قال : قد بانت لي الضلالة . ثم دخل فسطاطه وطرح عليه سلاحه وشن عليه من الماء فاغتسل ثم قاتل حتى قتل . رحمه الله .
قال الحجاج بن عزية الأنصاري يرثي أبا اليقظان عمار بن ياسر :
يا للرجال لعينٍ دمعها جاري |
|
قد هاج حزني أبو اليقظان عمارُ |
أهوى إليه أبو حوّى فوارسه |
|
يدعو السكون وللجيشين إعصارُ |
فاختل صدر أبي اليقظان معترضاً |
|
للرمح قد وجبْتَ فينا له النارُ |
قال النبي له تقتلك شرذمة |
|
سيطت لحومهم بالبغي ، فجّار |
فاليوم يعرفُ أهل الشام أنهم |
|
أصحابُ تلك وفيها النارُ والعارُ (٢) |
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٦٢ وما بعدها .
(١) مروج الذهب ٢ / ٣٨٢ .