وأعلم أنك من الطلقاء الذين لا يحل لهم الخلافة ، ولا تُعرض عليهم الشورى ، وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله البجلي وهو من أهل الإِيمان والهجرة ، فبايع ولا قوة إلا بالله (١) .
أما جرير ، فانه بعد أن سلم معاوية الكتاب وقرأه ، قام خطيباً فقال في جملة ما قال :
أيها الناس ، إن أمر عثمان قد أعيا من شهده فكيف بمن غاب عنه ، وان الناس بايعوا علياً غير واتر ولا موتور ، وكان طلحة والزبير ممن بايعاه ثم نكثا بيعته على غير حدث .
ألا وان هذا الدين لا يحتمل الفتن ، وقد كانت بالبصرة أمس روعة ملحمةٍ إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس ، وقد بايعت الأمة علياً ، ولو ملكنا والله الأمور لم نختر لها غيره ، ومن خالف هذا استعتب ، فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس .
فان قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني ، فان هذا قول لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل امرىءٍ ما في يديه ، ولكن الله جعل للآخر من الولاة حق الأول ، وجعل الأمور موطأةً ينسخ بعضها بعضاً .
فقال معاوية : انظرُ وتنظر ، واستطلع رأي أهل الشام .
وبعد أيام أمر معاوية مناديه فنادى ، الصلاة جامعة ، فلما اجتمع الناس صعد المنبر ثم خطب خطبة جاء في آخرها : أيها الناس ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان عليكم ، واني لم أقم رجلاً منكم على خزايةٍ قط ، واني وليُّ عثمان ، وقد قُتل مظلوماً ، والله تعالى يقول : ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا
__________________
(١) صفين ٢٧ ـ وشرح النهج ٢ / ٧٤ ـ ٧٦ .