|
هوَتْ به في النار أمَّ هاوية |
|
فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه ، فلما وضع رجله في الركاب (١) توقف وتلوّم قليلاً ثم أنشد قول عمرو بن الإِظنابة :
أبتْ لي عفتي وأبىٰ بلائي |
|
واخذي الحمد بالثمن الربيحِ |
وأقدامي على المكروه نفسي |
|
وضربي هامة البطل المشيحِ |
وقولي كلما جَشأتْ وجاشَتْ |
|
مكانك تحمُدي أو تستريحي |
لأدفع عن مآثر صالحاتٍ |
|
وأحمي بعدُ من عرَضٍ صحيح |
ثم قال : يا عمرو بن العاص ، اليوم صبرٌ وغداً فخر ، قال : صدقت ، إنك وما أنت فيه كقول القائل :
ما علتي وأنا جلد نابل |
|
والقوس فيها وَترٌ عَنابل |
نزِلُّ عن صفحتها المعابل |
|
الموت حق والحياة باطل |
فثنى معاوية رجله من الركاب ، ونزل فاستصرخ بعكٍّ والأشعريين ، فوقفوا دونه وجالدوا عنه حتى كره كل من الفريقين صاحبه وتحاجز الناس (٢) .
وقام الأعور الشني إلى علي ( ع ) فقال : يا أمير المؤمنين ، زاد الله في سرورك وهداك ، نظرت بنور الله فقدمت رجالاً وأخرت رجالاً ؛ عليك أن
__________________
(١) وقيل أنه بعد خلوص الأمر لمعاوية ، جاء رجل وقال له : يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقاً ، قال : وما هو ؟ قال : حق عظيم ، قال : ويحك ما هو ؟ قال : أتذكر يوماً قدمت فرسك لتفر وقد غشيك أبو تراب والأشتر ، فلما أردت أن تستوثبه وأنت على ظهره أمسكت بعنانك وقلت لك : أين تذهب ؟ إنه للؤم بك أن تسمح العرب بنفوسها لك مقهرين ، ولا تسمح لها بنفسك ساعة وأنت ابن ستين ؟! وكم عسى أن تعيش في الدنيا بعد هذه السن إذا نجوت ! فتلومت في نفسك ساعة ثم أنشدت شعراً لا أحفظه ثم نزلت ، فقلت شعراً لا أحفظه .
فقال : ويحك ، فإنك لأنت هو ! والله ما أحلني هذا المحل إلا أنت . وأمر له بثلاثين ألف درهم .
(٢) شرح النهج ٨ / ٦٠ .