كذا وكذا بلغت حدّ الاستفاضة ، بل التواتر ، وكثير منها مذكور في ثواب الأعمال للصدوق (١) ، فمنع التعارض ضعيف جدّا ، كترجيح عمومات حرمة الغناء ، فإنّ عمومات الإعانة على البرّ وخصوص الإبكاء (٢) أكثر بكثير ، مذكورة في الكتاب والسنّة ، مجمع عليه بين الأصحاب.
وترجيح جانب الحرمة على الجواز لم يثبت عندنا ، إلاّ على وجه الأولويّة والاستحباب ، وهو أمر آخر ، بل لا يبعد ترجيح عمومات الإعانة بتضعيف حرمة الغناء دلالة أو سندا.
وأمّا ما يجاب عن التعارض بمنع كون الغناء معينا على البكاء مطلقا ، لأنّ المعين عليه هو الصوت ، وأمّا نفس الترجيع الذي يتحقّق به الغناء فلم يعلم كونه معينا عليه أصلا ، لا على الحسين عليهالسلام ولا مطلقا.
ففيه أولا : أنّ من البيّن أنّ لنفس الترجيع أيضا أثرا في القلب ، كما يدلّ عليه ما في كلام جماعة (٣) من توصيف الترجيع بالمطرب مع تفسيرهم الإطراب ، فإنّ حزن القلب من معدّات البكاء ، مع أنّه قيل : إنّ الغناء المحرّم هو الصوت (٤).
ومنها : قراءة القرآن ، وقد مرّ قول صاحب الكفاية : أنّ الظاهر من تفسير الطبرسي أنّ التغنّي في القرآن مستحبّ عنده ، وأنّ خلاف ذلك لم يكن معروفا بين القدماء (٥).
__________________
(١) ثواب الاعمال : ٨٣.
(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٥٠٠ و ٥٩٣ أبواب المزار وما يناسبه ب ٦٦ و ١٠٤.
(٣) منهم المحقق في الشرائع ٤ : ١٢٨ ، الشهيد في الدروس ٢ : ١٢٦ ، الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٢٣.
(٤) راجع ص : ١٢٤ و ١٢٥.
(٥) كفاية الأحكام : ٨٦.