هذا المعنى مدلول دليل آخر لا بلسان التخصيص والتقييد ، كما لو قال عقيب قوله « أكرم العلماء » : « العالم هو غير النحوي » أو قال : « النحوي ليس عالما » كان قوله هذا حاكما على قوله : « أكرم العلماء » مع أنه ليس فيه شرح وتفسير لفظي ، فتخصيص الحكومة بما يكون فيها شرح اللفظ بلا موجب ، بل سيأتي في شرح عبارة الشيخ قدسسره ما يظهر منه جريان الحكومة فيما بين الأصول العقلائية التي لا مسرح للفظ فيها.
فالتحقيق : أنه لا يعتبر في الحكومة أزيد من أن يرجع مفاد أحد الدليلين إلى تصرف في عقد وضع الآخر بنحو من التصرف (١) إما بأن يكون مفاد أحدهما رافعا لموضوع الآخر في عالم التشريع ، كما في حكومة الامارات على الأصول العملية وحكومة الأصول بعضها على بعض ـ على ما تقدم بيانه في خاتمة الاستصحاب ـ وإما بأن يكون مفاد أحدهما إدخال ما يكون خارجا عن موضوع الآخر أو إخراج ما يكون داخلا فيه. وقد يرجع مفاد أحد الدليلين إلى التصرف في عقد حمل الآخر لا في عقد وضعه ، كأدلة نفي الضرر والعسر والحرج ، فإنها تكون حاكمة على الاحكام الأولية ، مع أنه لا يرجع مفادها إلى التصرف
__________________
١ ـ أقول : الأولى أن يقال : إن قوام الحكومة بنظر أحد الدليلين إلى مفاد دليل الآخر من حيث عقد حمله ، إما بتوسيط التصرف في موضوعه بنحو من العناية إخراجا أم إدخالا ، أو بلا توسيط هذا التصرف بل كان ناظرا بدوا إلى تعين مفاد دليل الآخر بلا تصرف فيه بنحو من العناية إلى موضوعه أو حكمه. ومن الثاني عموم « لا ضرر » وأمثاله على أدلة التكاليف ، وقد تقدم أن تقديم الاستصحاب السببي على المسببي أو على « قاعدة الحلية » و « الطهارة » من هذا القبيل أيضا. ومن الأول كل مورد يكون أحد الدليلين نافيا لموضوع الآخر تعبدا وتنزيلا ، أو مدخلا لغيره فيه كذلك ، إذا قوام حكومة هذا اللسان أيضا إنما هو بملاحظة نظره إلى حكمه المصحح لتنزيله.
ومن هنا نقول : بأنه قد يقع المعارضة بين إطلاق نظر التنزيل بالنسبة إلى حكم مع دليل ذلك الحكم فيرجع فيه إلى إعمال قواعد الجمع : من الاخذ بأقوى الدليلين. نعم : لو كان في نظره أقوى كان دليل التنزيل مقدما على الآخر ولو كان بينهما عموم من وجه.