وقيل : بتقديم النسخ ، فإنه لا يلزم من النسخ إلا تقييد الاطلاق ، وهو أولى من تخصيص العام عند الدوران بينهما ، كما تقدم.
وتوضيح ذلك : هو أنه قد اجتمع في العام ظهوران : ظهور في شموله لجميع الافراد حتى الافراد المندرجة تحت عنوان الخاص ، وظهور في استمرار حكمه ودوامه في جميع الأزمنة ، والظهور الأول يستند إلى الوضع ، لان العام بمدلوله الوضعي يعم جميع الافراد ، والظهور الثاني يستند إلى الاطلاق ومقدمات الحكمة ، فان استمرار الحكم لجميع الأزمنة إنما هو بمعونة الاطلاق ومقدمات الحكمة وليس مدلولا لفظيا للعام ، فإذا دار أمر الخاص بين التخصيص والنسخ يقدم النسخ ، لأنه لا يقتضي أزيد من تقييد الاطلاق ، بخلاف التخصيص ، فإنه يلزم منه مخالفة الظهور الوضعي ، وقد عرفت : أنه لو دار الامر بين التصرف في العام الأصولي وبين التصرف في المطلق الشمولي ، يكون الثاني أولى. ولذلك أورد على الشيخ قدسسره من قوله بتقديم التخصيص على النسخ مع التزامه بتقديم تقييد الاطلاق على تخصيص العام.
هذا ، ولكن لا يخفى عليك ما في كلا الوجهين من النظر. أما في الوجه الأول : فلان مجرد كون التخصيص أكثر من النسخ لا يوجب حمل الخاص على التخصيص ، لما عرفت : من أنه لا عبرة بالكثرة ما لم تكن قرينة عرفية بحيث توجب ظهور اللفظ في موردها.
وأما الوجه الثاني : فلان النسخ يتوقف على ثبوت حكم العام لما تحت الخاص من الافراد ، ومقتضى ما تقدم : من حكومة أصالة الظهور في طرف الخاص على أصالة الظهور في العام ، هو عدم ثبوت حكم العام لافراد الخاص (١) فيرتفع موضوع النسخ.
__________________
١ ـ أقول : كيف يكون أصالة الظهور في الخاص حاكما على أصالة العموم بعدما كان ذلك