وقد حكي أن شيخنا الأستاذ ـ مد ظله ـ كان في الدورة السابقة بانيا على هذا الوجه ولكن عدل عنه في هذه الدورة وأجاب عن الاشكال بما سيتلى عليك
قلت : العلم الاجمالي وإن كان بالنسبة إلى متعلقه لا يكون إلا كاشفا وطريقا ، إلا أنه بالنسبة إلى التنجيز وجريان الأصول في الأطراف وتعارضها وتساقطها يكون تمام الموضوع ، بداهة أنه قبل العلم الاجمالي بتعلق التكليف بأحد الأطراف لا تجري الأصول فيها لكي يقع التعارض بينها ، لان الأصول العملية إنما جعلت وظيفة للمتحير والشاك ، ولا شك مع عدم العلم الاجمالي ، فقبل العلم الاجمالي لا تجري الأصول النافية للتكليف في الأطراف ، وبعد العلم الاجمالي لا تعارض بينها ، لعدم جريان الأصل في الطرف المضطر إليه ، للقطع بعدم وجوب الاجتناب عنه ، ولا يعقل التعبد بما يكون محرزا بالوجدان ، فلم يبق إلا الطرف الآخر جاريا فيه الأصل بلا معارض. وقد عرفت في بعض المباحث السابقة التلازم بين تأثير العلم الاجمالي وتعارض الأصول.
فالأقوى : أنه لا فرق في عدم وجوب الاجتناب عن غير المضطر إليه بين سبق التكليف على الاضطرار وعدمه إذا كان العلم به بعد الاضطرار.
وقس عليه ما إذا كان العلم مقارنا للاضطرار ، لان العلم الاجمالي إنما يقتضي تنجيز التكليف الذي يمكن امتثاله والانبعاث عنه بعد العلم ، فالعلم المقارن للاضطرار لا يوجب التنجيز فلا تعارض بين الأصول ، وهو واضح.
هذا كله إذا كان الاضطرار إلى المعين قبل العلم الاجمالي أو مقارنا له.
وأما إذا كان بعد العلم الاجمالي ، فالأقوى فيه وجوب الاجتناب عن الطرف الغير المضطر إليه ، لان التكليف قد تنجز بالعلم الاجمالي فلابد من الخروج عن عهدته (١) وأقصى ما يقتضيه الاضطرار إلى المعين هو الترخيص فيما
__________________
١ ـ أقول : مجرد حدوث العلم الاجمالي بين الشيئين لا يوجب التنجز إلى الأبد ، لان كل طريق