وإن كان الشك في بقاء الموضوع لبعض الأمور الخارجية كالشك في بقاء وصف الاضرار في السم لاحتمال أن يكون قد تصرف الهواء فيه بحيث زال عنه وصف الاضرار ، فظاهر الشيخ قدسسره جريان الاستصحاب فيه إذا بنينا على حجية الاستصحاب من باب إفادته الظن بالبقاء لا من باب التعبد.
وهذا الكلام من الشيخ قدسسره بمكان من الغرابة! بداهية أن الظن المعتبر في باب الاستصحاب على القول بإفادته الظن إنما هو الظن النوعي لا الظن الشخصي ، فإنه لم يحتمل أحد اعتبار الظن الفعلي في جريان الاستصحاب ، والظن المعتبر في باب الظن بالضرر إنما هو الضرر الشخصي الفعلي ، فان العقل إنما يستقل بقبح الاقدام على الضرر المظنون فعلا ، واستصحاب بقاء الضرر في السم لا يوجب حصول الظن الفعلي ، وذلك واضح.
وعلى كل حال : ينبغي في المقام من تحرير الكلام في جميع موارد الشك في موضوعات الاحكام العقلية ، وإن كان قد سبق منا الكلام فيه.
وهو أنه ليس في الاحكام العقلية ما يستقل العقل بالبراءة فيها عند الشك في الموضوع الذي يحكم العقل بقبحه (١) بل للعقل حكم طريقي في صورة الشك
__________________
١ ـ أقول : قد تقدم منا الإشارة إلى أن الاحكام العقلية سنخان : سنخ منها تابع وجدان العقل ، بحيث يكون دركه مقوم حكمه ، وهذا كحسن شيء لديه أو قبحه ، فان حقيقة الحسن ليس إلا عبارة عن ملائمة الشيء لدى القوة العاقلة ـ كسائر ملايمات الشيء لدى سائر قواه من السامعة والذائقة وغيرهما ـ قبال ما ينافر لدى القوة العاقلة ، فيسمى بالقبح ـ نظير سائر المنافرات لدى سائر القوى ـ وجميع هذه القوى في الحقيقة من آلات درك النفس وجنوده ، فالمدرك هو النفس بتوسيط هذه القوى. وعلى أي حال : بعدما كان قوام حسن الشيء أو قبحه بالدرك المزبور يستحيل تصور الشك في بقائه عند طرو ما يزيل مقدمات دركه. نعم : ما هو قابل للشك هو مناط حكم العقل : من المصالح والمفاسد ، وهو أيضا أجنبي عن الاحكام العقلية ، بل هو مناط أحكامه ، كما أنه ربما يكون مناطا للأحكام الشرعية