وبما ذكرنا ظهر : أنه لا موجب لقصر المسائل الأصولية بخصوص ما كان البحث فيه عن أحوال الأدلة الأربعة بذواتها أو بوصف دليليتها ، لكي يلزم الاستطراد في جملة من مهمات المسائل المبحوث عنها في علم الأصول أو يتكلف في دخولها فيه بما لا يخلو عن تعسف ، بل ينبغي تعميم المسائل الأصولية إلى كل ما يقع كبرى لقياس استنباط الحكم الشرعي الكلي ، سواء كان واقعيا أو ظاهريا ، على ما أوضحناه في أول الكتاب.
وأما الثاني : فلان القاعدة الفقهية وإن كانت تقع كبرى لقياس الاستنباط ، إلا أن النتيجة فيها إنما تكون حكما جزئيا يتعلق بعمل آحاد المكلفين بلا واسطة ، أي لا يحتاج في تعلقه بالعمل إلى مؤنة أخرى كما هو الشأن في نتيجة المسألة الأصولية ، فإنها لا تعلق لها بعمل الآحاد ابتداء إلا بعد تطبيق النتيجة على الموارد الخاصة الجزئية ، فان الحكم الكلي بما هو كلي لا يرتبط بكل مكلف ولا يتعلق بعمله إلا بتوسط انطباقه عليه خارجا.
والحاصل : أن النتيجة في المسألة الأصولية إنما تكون كلية ولا يمكن أن تكون جزئية ، وهذا بخلاف النتيجة في القاعدة الفقهية فإنها تكون جزئية ، ولو فرض أنه في مورد كانت النتيجة كلية ففي مورد آخر تكون جزئية. فالمايز بين المسألة الأصولية والقاعدة الفقهية ، هو أن النتيجة في المسألة الأصولية دائما تكون حكما كليا لا يتعلق بعمل آحاد المكلفين إلا بعد التطبيق الخارجي ، وأما النتيجة في القاعدة الفقهية فقد تكون جزئية لا تحتاج في تعلقها بعمل الآحاد إلى التطبيق ، بل غالبا تكون كذلك.
وبتقريب آخر : نتيجة المسألة الأصولية إنما تنفع المجتهد ولا حظ للمقلد فيها ، ومن هنا ليس للمجتهد الفتوى بمضمون النتيجة ، ولا يجوز له أن يفتي في الرسائل العملية بحجية الخبر الواحد القائم على الأحكام الشرعية مثلا ، لان تطبيق النتيجة على الخارجيات ليس بيد المقلد بل هو من وظيفة المجتهد. وأما النتيجة