ولا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ، فلا يعمه أدلة البراءة (١) فالشك في جزئية شيء للسبب أو شرطيته يرجع إلى الشك في حصول متعلق التكليف وتحقق الامتثال عند عدم الاتيان بالأكثر ، والعقل يستقل بوجوب إحراز الامتثال والقطع بالخروج عن عهدة التكليف ، ولا يحصل ذلك إلا بالاتيان بكل ما يحتمل دخله في السبب ، وذلك واضح.
وأما في الأسباب الشرعية : كالغسلات في باب الطهارة الحدثية والخبثية ، بناء على أن يكون المأمور به هو التطهير والغسلات محصلة له ، لا أنها هي المأمور بها ـ كما ربما يدل عليه الامر بالتطهير في جملة من الأدلة الواردة في باب الطهارة الحدثية والخبثية ـ فقد يتوهم : جريان البراءة عن الأكثر ، لأن الشك فيها يرجع إلى الشك في المجعول الشرعي ، فيعمه أدلة البراءة.
هذا ، ولكن قد تقدم في مبحث البراءة فساد التوهم ، ونزيده في المقام وضوحا ، فنقول : إن شمول أدلة البراءة للمحصلات الشرعية يتوقف على أن تكون المجعولات الشرعية هي الأسباب لا المسببات ، وأن تكون أجزاء السبب وشرائطه أيضا مجعولة بجعل مستقل مضافا إلى جعل الأسباب ، وقد بينا في محله استحالة ذلك.
بيان الملازمة : هو أنه لو كانت المجعولات الشرعية نفس المسببات وترتبها على أسبابها ـ كترتب الطهارة على الغسلات الثلاث ، والنقل والانتقال على البيع والشراء ـ فالأسباب تكون خارجة عن دائرة الجعل ، ولا تنالها يد الوضع والرفع التشريعي ، إذ لا تعقل أن تتعلق الجعل الشرعي بكل من السبب والمسبب ، لان جعل أحدهما يغني عن جعل الآخر ، فبناء على تعلق الجعل
__________________
١ ـ أقول : لو كان المراد من المجعول الأعم من الأصلي والتبعي قد يشكل أمر التفكيك بين جعلية المسبب وعدم جعلية السبب ولو تبعا ، إذ لا معنى لجعل المسبب إلا منوطا بالامر العقلي أو العادي ، وإلا لو لم يلحظ في مقام جعله هذه الإناطة لا يتصور سببية الامر العادي للامر الجعلي ، ومع تصوره فيرجع إلى جعل السببية ولو تبعا ، لجعل المسبب منوطا بالمطلق أو المقيد ، كما لا يخفى.