ثم إن ظهور كل شرط في تأثيره اثرا غير اثر الشرط الآخر لا يختص بالأدلة اللفظية ، بل يمكن استفادته من اللبيات ، لان المدار على ظهور الشرط في الانحلالية ، فإذا كان الدليل عليه لفظيا فاستفادة الانحلالية اما : بالوضع ، كالعموم الأصولي المستفاد من الأسماء المتضمنة للشرط ، كمتى وانى وأين وإذا ومهما وحيثما ، وهكذا. واما : بالاطلاق ، ك ( إن ) وأخواتها ، فان استفادة كون مدخولها علة تامة لترتب الجزاء عليه بالاطلاق ، وإذا كان الدليل عليه لبيا ، فاستفادة الانحلال كأصل الاشتراط يمكن قيام الاجماع عليه ، أو دلالة العقل عليه.
سلمنا ظهور كل شرط في كونه تمام السبب للجزاء ، الا ان الجزاء حيث إنه لم يترتب بوجوده على الشرط حتى يمكن التعدد ـ فان وجوده هو مقام امتثاله ـ بل رتب من حيث حكمه وهو لا يقبل التعدد. وبعبارة واضحة : وجود الاكرام لم يعلق على المجيئ حتى يمكن ان يتعدد ، بل وجوبه الذي هو حكمه علق عليه ، وغاية تأثير كل سبب ان يتأكد الحكم ، لان الوجوب لا يمكن فيه التعدد.
قلت :
قد بينا في المقدمات : ان الوجوب ـ وهو المعنى النسبي المستفاد من الهيئة ـ غير قابل للتعليق ، بل المعلق هو محصل الجملة ، وهو طلب الايجاد الذي يتحقق بايقاع نسبة المادة إلى الفاعل في مقام الانشاء. وبعبارة واضحة : قد تقدم في مبحث الأوامر (١) ان مفاد صيغة الامر ليس طلب الفعل كما هو المشهور ، لأنه ليس معنى ( صل ) اطلب منك الصلاة ، بل وضعت صيغة الامر لنسبة المادة إلى الفاعل انشاء وتشريعا ، فكون المتكلم في مقام التشريع ملقيا نسبة المادة إلى الفاعل يوجب ان يتحقق بنفس هذا الالقاء مصداق للطلب ، ففي مقام التشريع يطلب الشارع ايجاد الصلاة ، والايجاد قابل للتكرر.
إذا عرفت ذلك ، فلنرجع إلى ما برهن عليه العلامة ـ على ما يحكى عنه ـ لعدم تداخل الأسباب فنقول : هو ( قده ) أتم البرهان بمقدمات ثلث ، والمقدمتان منها صريحتان في كونهما من برهان عدم التداخل في الأسباب ، والثالثة ظاهرة فيه ، لا
__________________
١ ـ راجع تفصيل هذا البحث في الامر الثالث من المقصد الأول ، الجزء الأول من الفوائد ص ١٢٩