ثم لو أغمضنا عن ذلك كله ، كان لنا التفصي عن الاشكالات بوجه آخر يختص بالوضوء والغسل فقط ، ولا يجرى في التيمم. وحاصل ذلك الوجه ، هو ان الوضوء والغسل لهما جهة محبوبية ذاتية ومطلوبية نفسية أوجبت استحبابهما قبل الوقت ، وعروض الوجوب لهما بعد الوقت لا ينافي بقاء تلك الجهة وان قربت بعد الوقت وحصلت لها شدة أوجبت الوجوب.
والحاصل : ان عروض ملاك الوجوب على ملاك الاستحباب لا يوجب انعدام الملاك الاستحبابي ، وحدوث ملاك آخر للوجوب ، بل غايته تبدل الاستحباب بالوجوب وفوات الرخصة من الترك التي كانت قبل الوقت ، مع اندكاك الملاك الاستحبابي في الملاك الوجوبي ، نظير اندكاك السواد الضعيف في السواد الشديد.
ولكن لا يخفى عليك ، ان ما ذكرناه من تبدل الاستحباب بالوجوب ، فإنما هو بالنسبة إلى الوجوب النفسي الثابت للوضوء بعد الوقت ، لا الوجوب الغيري له ، فان التبدل بالوجوب الغيري لا يعقل لاختلاف المتعلق.
ولا بأس بالإشارة إلى ضابط تبدل الاحكام بعضها مع بعض ، ليتضح المقصود في المقام.
فنقول :
ضابط التبدل هو ان يتعلق الوجوب بعين ما تعلق به الاستحباب ، كما لو نذر صلاة الليل ، فان الامر الاستحبابي انما تعلق بذات صلاة الليل لا بما انها مستحبة ، والنذر أيضا انما يتعلق بالذات ، إذ لا يمكن ان يتعلق النذر بصلاة الليل بوصف كونها مستحبة ، لأنها بالنذر يصير واجبة فلا يمكنه اتيانها بوصف الاستحباب ، فلابد ان يتعلق النذر بالذات ، فيكون الامر الوجوبي الجائي من قبل النذر متعلقا بعين ما تعلق به الامر الاستحبابي ، فيتبدل الامر الاستحبابي بالامر الوجوبي ، ويكتسب الامر الوجوبي التعبدية ، كما اكتسب الامر الاستحبابي الوجوب ، فان الامر النذري وان كان توصليا ، الا انه لما تعلق بموضوع عبادي اكتسب التعبدية ، فتأمل.