وثانيا : ان ذلك مغالطة ، لان الامر انما يكون محركا نحو الفعل ، واما كون هذه الحركة عنه وبداعيه فهو امر آخر لا يمكن ان يكون الامر متعرضا له. والحاصل : ان الامر لا يكاد يكون متعرضا لدواعي الحركة وانه عنه أو عن غيره ، فان الامر انما يدعو للفعل ، واما دواعي الفعل فلا يكون الامر متكفلا له فتأمل جيدا. فدعوى أصالة التعبدية من هذه الجهة لا يمكن.
كما أن دعوى أصالة التعبدية ـ من جهة دلالة قوله تعالى : (١) « وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين » الخ ، وقوله صلىاللهعليهوآله : (٢) انما الأعمال بالنيات ، وغير ذلك من الآيات والاخبار التي استدلوا بها على اعتبار التعبد في الأوامر ـ واضحة الفساد ، لوضوح ان قوله تعالى : وما أمروا ـ انما يكون خطابا للكفار ، كما يدل عليه صدر الآية ، ومعنى الآية : ان الكفار لم يؤمروا بالتوحيد الا ليعبدوا الله ويعرفوه ويكونوا مخلصين له غير مشركين ، وهذا المعنى كما ترى أجنبي عما نحن فيه ، مع أنه لو كان ظاهرا فيما نحن فيه لكان اللازم صرفه عن ذلك ، لاستلزامه تخصيص الأكثر لقلة الواجبات التعبدية بالنسبة إلى الواجبات التوصلية ، فتأمل فإنه لو عم الامر للمستحبات لأمكن منع أكثرية التوصليات بالنسبة إلى التعبديات لو لم يكن الامر بالعكس لكثرة الوظائف التعبدية الاستحبابية.
واما قوله (٣) صلىاللهعليهوآله : انما الأعمال بالنيات ، فهولا دلالة له على المقام ، فان مساقه كمساق قوله : لا عمل الا بالنية ، وليس فيه دلالة على أن كل عمل لابد فيه من نية التقرب ، بل معناه ان العمل المفروض كونه عبادة لا يقع الا بالنية ، أو يكون معناه كمعنى قوله (ص) : (٤) لكل امرء ما نوى ، فتأمل جيدا. وعلى كل حال ، لا دلالة في الاخبار والآيات على اعتبار قصد الامتثال في الأوامر.
__________________
١ ـ سورة البينة ، الآية ٥.
٢ ـ راجع الوسائل ، الجزء الأول ، باب ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث ٧ ص ٣٤.
٣ ـ نفس المصدر ، حديث ١ ص ٣٣.
٤ ـ نفس المصدر ، حديث ١٠ ص ٣٥.