اللفظي وكذا العملي يقتضى عدم السقوط بفعل المحرم ، كما اقتضيا عدم السقوط بالاستنابة وفعل الغير وعن لا إرادة واختيار. هذا تمام الكلام في المقام الثاني. فلنعطف الكلام إلى المقام الأول ، الذي هو المقصود بالأصالة في هذا المبحث ، وهو ان الأصل يقتضى التعبدية بالمعنى الآخر لها أو لا يقتضى ، وقد عرفت في الامر الأول من الأمور التي أردنا تقديمها في هذا المبحث معنى التعبدية ، وحاصله : ان التعبدية عبارة عن الوظيفة التي شرعت لأجل ان يتعبد بها ، ويظهر العبد عبوديته لمولاه.
الامر الثاني :
لا اشكال في أن كل حكم له متعلق وموضوع. والمراد من المتعلق هو ما يطالب به العبد من الفعل أو الترك ، كالحج ، والصلاة ، والصوم ، وغير ذلك من الافعال. والمراد بالموضوع هو ما اخذ مفروض الوجود في متعلق الحكم ، كالعاقل البالغ المستطيع مثلا. وبعبارة أخرى : المراد من الموضوع هو المكلف الذي طولب بالفعل أو الترك بما له من القيود والشرائط : من العقل والبلوغ وغير ذلك.
ثم إن كلا من الموضوع والمتعلق له انقسامات عقلية سابقة على مرحلة ورود الحكم عليه ، وهذه الانقسامات تلحق له بحسب الامكان العقلي ولو لم يكن هناك شرع ولا حكم ، ككون المكلف عاقلا ، بالغا ، قادرا ، روميا ، زنجيا ، احمر ، ابيض ، اسود ، وغير ذلك من الانقسامات التي يمكن ان تفرض له. وككون الصلاة مثلا إلى القبلة ، أو في المسجد ، أو الحمام ، مقرونة بالطهارة ، إلى غير ذلك من الانقسامات التي يمكن ان تفرض لها في حد نفسها ولو لم تكن متعلقة لحكم أصلا.
ولكل منهما أيضا انقسامات تلحقهما بعد ورود الحكم عليهما ، بحيث لولا الحكم لما أمكن لحوق تلك الانقسامات لهما ، ككون المكلف عالما بالحكم ، أو جاهلا به ، بداهة ان العلم بالحكم لا يمكن الا بعد الحكم. وهذا بخلاف العلم ، بالموضوع ، فإنه يمكن لحوقه بدون الحكم. هذا بالنسبة إلى الموضوع. واما بالنسبة إلى المتعلق ، ككون الصلاة مما يتقرب ويمتثل بها ، فان هذا انما يلحق الصلاة بعد الامر بها ، إذ لولا الامر لما كان عروض هذا الوصف لها ممكنا.