وبالجملة : التسالم على اخذ قيد المندوحة في عنوان المسألة وعلى صحة الصلاة في الدار الغصبية عند الجهل بالغصب ، يكشف كشفا قطعيا عن كون الجواز من الجهة الأولى كان عندهم مفروغا عنه.
وما يقال : من أن الصحة عند الجهل انما هي لوجود الملاك والمقتضى ، حيث إنه يعتبر في مورد الاجتماع ثبوت كل من ملاك الحكمين ، وبذلك حصل المايز بين باب الاجتماع وباب التعارض من وجه ، فليس بشيء ، لان ثبوت الملاك المغلوب بما هو أقوى منه والمسكور بغيره في عالم الجعل والتشريع ـ بحيث كان الحكم المنشأ في عالم الثبوت والواقع هو خصوص ما كان واجدا للملاك الغالب والمقتضى الأقوى ـ لا يصلح ان يكون موجبا للصحة ، فان الموجب للصحة ، هو الملاك التام الذي لايكون مكسورا بما هو أقوى منه في عام الجعل والتشريع.
والحاصل : ان تصحيح العبادة بالملاك انما يكون بعد الفراغ عن ثبوت حكمها وتشريعه مطلقا ، غايته انه وقع التزاحم بين ذلك الحكم وبين حكم آخر في مقام الامتثال وصرف القدرة عند عدم تمكن المكلف من كلا الامتثالين ، والتزاحم بين الحكمين امر ، وبين المقتضيين امر آخر ، بينهما بون بعيد ، فان تزاحم الحكمين على ما عرفت ، انما يكون في مقام الفعلية وتحقق الموضوع بعد الفراغ عن تشريعهما على طبق موضوعاتهما المقدر وجودها ، وفي هذا القسم من التزاحم يكون لعلم المكلف وجهله دخل ، حيث إن الحكم المجهول لا يصلح ان يكون مزاحما لغيره ، فإنه لايكون شاغلا لنفسه ، فبان لايكون شاغلا عن غيره أولى.
واما تزاحم المقتضيين ، فإنما يكون في مقام الجعل والتشريع ، حيث يتزاحم المقتضيان في نفس الآمر وارادته ، ويقع الكسر والانكسار بينهما في ذلك المقام ، ويكون لعلم الآمر وجهله دخل في تزاحم المقتضيين ، حيث لو لم يعلم الآمر بثبوت المقتضيين ، لا يعقل ان يقع التزاحم بينهما في إرادة الآمر. وعلم المكلف وجهله أجنبي عن ذلك ، فان عالم الجعل والتشريع انما يكون بيد الآمر ، والمأمور أجنبي عنه ، فيكون لعلم الآمر وجهله دخل ، كما أن عالم الامتثال وصرف القدرة وأعمالها يكون بيد المكلف ، والآمر أجنبي عنه ، فيكون لعلم المأمور دخل.