ثبوت الحكم بمجرد تحقق العاقل البالغ المستطيع ، ولا يعقل ان يتخلف عنه ، فلو توقف ثبوت الحكم وفعليته على قيد اخر كعدم قيام الامارة على الخلاف مثلا يلزم تخلف المنشأ عن الانشاء ، لأنا فرضنا ان ذلك القيد لم يؤخذ في انشائه ، بل انشاء الحكم على خصوص العاقل البالغ المستطيع ، فإذا وجد العاقل البالغ المستطيع ولم يوجد الحكم يلزم ان لا يوجد ما أنشأه وهو محال ، إذ لا يعقل تخلف المنشأ عن الانشاء. ومعنى عدم معقولية تخلف المنشأ عن الانشاء ، هو انه لابد من أن يوجد المنشأ على طبق ما أنشأ وعلى الوجه الذي أنشأه ، فلو أنشأ الملكية في الغد فلابد من وجود الملكية في الغد ، ولا يعقل ان تتقدم عليه أو تتأخر عنه ، بان توجد الملكية قبل الغد أو بعد الغد ، لأنه يلزم تخلف المنشأ من الانشاء ، إذ الذي أنشأ هو خصوص ملكية الغد لا غير ، فكيف تتقدم الملكية على الغد أو تتأخر عنه؟.
وحاصل الكلام : انه لو كان زمام المنشأ بيد المنشى وله السلطنة على ايجاده كيف شاء وباي خصوصية أراد كما هو مفروض الكلام ، فح يدور المنشأ مدار كيفية انشائه ، فله انشائه في الحال كما في البيع الفعلي فلا بد ان يتحقق المنشأ في الحال والا يلزم التخلف ، وله ان ينشأه في الغد فلا بد ان يكون البيع في الغد والا لزم التخلف. وليس الانشاء والمنشأ من قبيل الكسر والانكسار التكويني ، بحيث لا يمكن ان يتخلف زمان الانكسار عن الكسر ، كما ربما يختلج في بعض الأذهان ، ولأجل ذلك تخيل انه لا يعقل تخلف زمان وجود المنشأ عن زمان وجود الانشاء ، فيكف يعقل ان يكون انشاءات الاحكام أزلية ومنشائها تتحقق بعد ذلك عند وجود موضوعاتها في الخارج؟ مع أنه يلزم ان يتخلف زمان الانشاء عن زمان وجود المنشأ لأنه لا يمكن ان يتخلف زمان الوجود عن الايجاد ، وزمان الانكسار عن الكسر ، ولأجل هذه الشبهة ربما وقع بعض في اشكال كيفية تصور كون انشاءات الاحكام أزلية مع عدم وجود منشئاتها في موطن انشائها ، هذا.
ولكن لا يخفى ضعف الشبهة ، وان قياس باب الانشائيات بباب التكوينيات في غير محله ، فان في التكوينيات زمام الانكسار ليس بيد الكاسر ، بل الذي بيده هو الكسر واما الانكسار فيحصل قهرا عليه.