فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا؟ سبحانه وبحمده لم يحدث فيمكن فيه التغيير والانتقال ، ولم يتصرف في ذاته بكرور الاحوال ، ولم يختلف عليه حقب الليالي والايام ، الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذاعليه (١) من معبود كان قبله ، ولم تحط به الصفات فيكون بإدراكها إياه بالحدود متناهيا ، ومازال ليس كمثله شئ عن صفة المخلوقين متعاليا ، وانحسرت الابصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا ، وفات لعلوه على الاشياء مواقع رجم المتوهمين ، وارتفع عن أن تحوى كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين ، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها به ، وما زال عند أهل المعرفة به عن الاشباه والاضداد منزها ، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم ، (٢) وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم ، وجزوه بتقدير منتج من خواطر هممهم ، (٣) وقدروه على الخلق المختلفة القوى بقرائح عقولهم ، وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الاوهام وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس الاحلام؟ (٣) لانه أجل من أن تحده ألباب البشر بالتفكير ، أو تحيط به الملائكة على قربهم من ملكوت عزته بتقدير ، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به ، لانه اللطيف الذي إذا أرادت الاوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه ، و حاولت الفكر المبرات من خطر الوسواس إدراك علم ذاته ، وتولهت القلوب إليه لتحوى منه مكيفا في صفاته ، وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم إلهيته ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه ، رجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته ، (٥) ولا يخطر ببال اولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته ، لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لانه
___________________
(١) احتذا عليه أى قاس وطبق عليه ، وكان ذلك المثال أو المقدار من معبود قد سبقه بالخلقة ، والحاصل أنه لم يقتد بخالق آخر في صنعه وخلقته ، إذ لا خالق سواه.
(٢) في النهج : إذ شبهوك بأصنامهم.
(٣) في التوحيد المطبوع ونسخة من الكتاب : وخواطرهم.
(٤) الاحلام جمع الحلم : العقل ، ويأتى بمعني الامانى أيضا يقال : أحلام نائم أي أمانى كاذبة. (٥) في التوحيد المطبوع : لا ينال بجوب الاعتساف كنه معروفته.