أقول : بعد نفي احتمال الخطأ في كتابة التاريخ بما ذكرنا سابقا، يرد على ما ذكر : أنّ الأمر الأول مدفوع بأنّ الإختلاف بين خطّ النسخة و الخطوط المنسوبة الى ياقوت ليس كبيرا، بل هناك شبه كبير بينهما، و قد جاء في كتاب «الخطّ العربيّ الإسلاميّ (١) نموذج من خطّ ياقوت و هو نسخة من «ديوان شعر الحادرة» و خطّه يطابق خطّ النسخة تماما.
و أمّا ما يلاحظ من الفرق بينها و بين النماذج القرآنية، فلعلّه ناشئ من أنّ ياقوتا كان يولي اهتماما أكبر بكتابة المصحف الشريف، كما هو المتوقّع، و كما هو ديدن الخطّاطين و قد شاهدنا منهم عدّة، فإنّهم يحاولون وضع أكبر قدراتهم و أحسن ما يملكون من ذوق و فنّ في ما يكتبون من المصاحف، و أمّا غيرها من المؤلّفات فلا يبذلون فيها كلّ ما لديهم من ذلك.
و أمّا الأمر الثاني، فهو و إن كان ملاحظة فنيّة دقيقة، إلّا أنّ مجرد وجود مزوّرين على ياقوت و غيره من الخطّاطين لا يوجب نفي نسبة ما يمكن انتسابه اليه فنيّا و تاريخيّا، و قد رأيت النسخة نفسها، فوجدتها تزدان بالروعة و الجمال و الفنّ و عليها آثار القدم، كما أنّ بعض الخبراء اعترفوا بنفاسة الخطّ و لم يستبعدوا كونها أصلية و غير مزوّرة.
٣ ــ الاحتمال الثالث : أنّ كاتب النسخة هو ياقوت المستعصميّ، (٢) و أنّ تاريخها هو سنة (٧٠٦).
أمّا الأوّل : فلأنّه هو المثبت في آخر النسخة، و لا يعارضه إلّا أنّ بعض المترجمين ذكر وفاة ياقوت في سنة (٦٨٩).
__________________
(١) تأليف تركي الجبوريّ، ص ١٩٢.
(٢) الأعلام للزركلي ــ ط الثالثة ــ (ج ٩ ص ١٥٧).