بل الأغلب في موارد قول الصحابة و التابعين : «نزلت في كذا» إنّما هو القضايا الواقعة و الوقائع الحادثة ممّا لا معنى له إلّا الرواية و النقل، و لا مجال لحمله على الاستدلال.
و لو تنزّلنا، فإنّ احتمال كون قولهم : «نزلت في كذا» للاستدلال مساو لاحتمال كونه لبيان سبب النزول، و لا موجب لكونه أظهر في الاستدلال.
و يقرّب ما ذكرنا أنّ ابن تيميّة احتمل في الكلام المذكور كلا الأمرين : الاستدلال و سبب النزول، فقال : قولهم : «نزلت هذه الآية في كذا ...» يراد به تارة سبب النزول، و يراد به تارة أنّ ذلك داخل في الآية، و إن لم يكن السبب، كما نقول عنى بهذه الآية كذا (١).
٤ ــ و التزم الفخر الرازيّ طريقا آخر لمعرفة سبب النزول ذكره في تفسير آية النبأ، قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) [ الآية ٦ من سورة الحجرات ٤٩ ].
قال : سبب نزول هذه الآية، هو أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث الوليد بن عقبة، و هو أخو عثمان لأمّه، إلى بني المصطلق واليا و مصّدّقا، فالتقوه، فظنّهم مقاتلين فرجع الى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، و قال : «إنّهم امتنعوا و منعوا» فهمّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإيقاع بهم، فنزلت هذه الآية، و أخبر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّهم لم يفعلوا شيئا من ذلك.
قال الرازيّ : و هذا جيّد، إن قالوا بأنّ الآية نزلت في ذلك الوقت، و أمّا
__________________
(١) المصدر السابق (ج ١ ص ٥ ــ ١١٦).