ثم ما ورد من الاثار الظاهرة في خلاف هذا ينبغي أن يأول بما يوافقه ، كما قاله أمير المؤمنين عليهالسلام في نهج البلاغة في الخطبة التي أولها انتفعوا ببيان الله ، ألا وان الظلم ثلاثة ، فظلم لا يغفر ، وظلم لا يترك ، وظلم مغفور لا يطلب . فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله قال الله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لَا يغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ » (١) .
وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات .
وأما الظلم لا يترك ، فظلم العباد بعضهم بعضاً .
القصاص هناك شديد . الخطبة (٢) .
وبالجملة ان المعتزلة يقولون : ان بعض القبائح المحرمة يرتفع استحقاق العقاب ، عن مرتكبها بدون التوبة ، بسبب الاجتناب عن بعض آخر ، ولذا يسمونه صغيرة ، ويسمون عدم العقاب عليه تكفيراً أو احباطاً أيضاً . ويقولون : انه يصير فاعله كمن لم يفعله في عدم الاستحقاق للعقاب ، فلا يجوز اطلاق الفاسق عليه .
وأصحابنا الامامية يقولون : كل من فعل قبيحاً يبقى رهيناً بما كسب ، ولا ينتفي عنه استحقاق العقاب عليه بدون التوبة ، أو ما يجري مجرها ، كفعل الطاعات بعده لقوله تعالى : « إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ » (۳) ولا ينفع اجتنابه عن الباقي ، وليس فاعله كمن لم يفعله على حال ، والا لزم الاغراء بالقبيح في المتنازع فيه ، وهو ما عدا ذنب المقلد للحق كما مر ، وسيجيءِ تحقيقه ، وما عداها ما فعل مع المبالاة كما سيجيء أيضاً ، فيجوز اطلاق الفاسق واجراء
_________________________
(١) النساء : ٤٨ .
(۲) نهج البلاغة ، شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٦ ـ ٣٣ خطبة رقم ١٨٧ .
(۳) هود : ١١٤ .