صفة قرآنا (وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٤) سماع قبول (وَقالُوا) للنبي (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) أغطية (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) ثقل (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) خلاف في الدين (فَاعْمَلْ) على دينك (إِنَّنا عامِلُونَ) (٥) على ديننا (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) بالإيمان والطاعة (وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ) كلمة عذاب (لِلْمُشْرِكِينَ) (٦) (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ) تأكيد (كافِرُونَ) (٧) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
____________________________________
نزل بلغتهم ، وأما غيرهم فلا يفهم القرآن إلا بواسطتهم. قوله : (صفة قرآنا) ويصح أن يكونا حالين من كتاب ، وهذا على قراءة الجمهور ، وقرىء شذوذا على أنه خبر لمحذوف ، أي (بَشِيراً وَنَذِيراً) ، ونعت لكتاب. قوله : (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) أي تكبرا وعنادا ، واستفيد منه أن الأقل لم يعرض ، بل خضع وانقاد وآمن ، وذلك كأبي بكر وأضرابه.
قوله : (وَقالُوا) معطوف على (فَأَعْرَضَ) وقوله : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) جمع كنان ، وهو ما تجعل فيه السهام ، ويسمى جعبة بفتح الجيم ، ويجمع على جعاب. قوله : (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) ما واقعة على التوحيد ، والفعل مرفوع بضمة مقدرة على الواو ، والفاعل مستتر تقديره أنت ، ونا مفعوله. قوله : (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) شبهوا أسماعهم بآذان فيها صمم ، من حيث إنها تمج الحق ، ولا تميل إلى استماعه. قوله : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ مِنْ) لابتداء الغاية ، والمعنى : أن الحجاب ناشىء من جهتنا ، فلا نستطيع التوصل لما عندك ، والحجاب ناشىء من جهتم ، فلا تستطيع التوصل لما عندنا ، فنحن معذورون في عدم اتباعك ، لوجود المانع من جهتنا وجهتك. قوله : (خلاف) أي مخالفة في الدين. قوله : (فَاعْمَلْ) (على دينك) أي استمر عليه ، وقوله : (إِنَّنا عامِلُونَ) أي مستمرون على ديننا.
قوله : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) هذا رد لما زعموا من الحجاب كأنه قال : دعواكم الحجاب باطلة لا أصل لها ، لأني بشر من جنسكم ، تعرفون حالي وطبعي ، وأعرف حالكم وطبعكم ، فلست مغايرا لكم ، حتى يكون بيني وبينكم حجاب وتباين ، ولست بداع لكم إلى شيء لا تقبله العقول والأسماع بل أنا داع لكم إلى توحيد خالقكم وموجدكم ، الذي قامت عليه الأدلة العقلية والنقلية. قوله : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) ضمنه معنى توجهوا ، فعداه بإلى. قوله : (وَاسْتَغْفِرُوهُ) أي مما أنتم عليه من سوء العقيدة ، وفيه اشارة إلى أن الاستقامة لا تتم ، إلا بالاستغفار والندم على ما مضى ، بحيث يكره أن يعود الكفر ، كما يكره الوقوع في النار.
قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) مبتدأ وخبر ، وسوغ الابتداء به قصد الدعاء. قوله : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) إنما خص منع الزكاة ، وقرنه بالكفر في الآخرة ، لأن المال أخو الروح ، فإذا بذله الإنسان في سبيل الله ، كان دليلا على قوته وثباته في الدين ، قال تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) إلخ ، أي يثبتون أنفسهم ، ولذا كان صلىاللهعليهوسلم يؤلف حديث العهد بالإيمان بالمال ، وقاتل أبو بكر مانعي الزكاة بعد وفاته صلىاللهعليهوسلم ، ففي هذه الآية تخويف وتحذير للمؤمنين من منع الزكاة ، وتحضيض على أدائها ، وقال ابن عباس : هم الذين لا يقولون لا إله إلا الله ، وهي زكاة الأنفس ، والمعنى : لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد. فإن قلت : على تفسير الجمهور يشكل بأن الآية مكية ، والزكاة فرضت