الله أي هداه للمؤمن نور على نور الإيمان (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) أي دين الإسلام (مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ) يبين (اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) تقريبا لأفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣٥) ومنه ضرب الأمثال (فِي بُيُوتٍ) متعلق بيسبح الآتي (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) تعظم (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) بتوحيده (يُسَبِّحُ) بفتح الموحدة وكسرها أي يصلي (لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ)
____________________________________
قوله : (نُورُ) (به) أي الزيت ، وقوله : (عَلى نُورٍ) أي مع نور وهو نور المصباح والزجاجة ، فالأنوار المشبه بها متعددة كأنوار المشبه ، فليس المقصود في الآية التثنية ، بل الكثرة ، وتراكم الأنوار. قوله : (ونور الله أي هداه) الخ ، أي فبراهين الله تزداد في قلب المؤمن برهانا بعد برهان ، إن قلت : لم ضرب المثل بنور الزيت ، ولم يضر به بنور الشمس والقمر والشمع مثلا؟ أجيب بأن الزيت فيه منافع ، ويسهل لكل أحد ، كما أن المؤمن الكامل الإيمان منافعه كثيرة ، واختلف في هذه التشبيه ، هل هو تشبيه مركب ، بأن قصد فيه تشبيه جملة بجملة ، من غير نظر إلى مقابلة جزء بجزء ، وذلك بأن يراد مثل نور الله الذي هو هداه وبراهينه الساطعة ، كجملة النور الذي يتخذ من هذه الهيئة ، أو تشبيه جزء بجزء ، بأن يشبه صدر المؤمن بالمشكاة ، وقلبه بالزجاجة ، ومعارفه بالزيت ، وإيمانه بالمصباح.
قوله : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أي من يريد هدايته ، فإن الأسباب دون مشيئته لاغية ، ولو لا العناية ما كان الوصول لذلك النور. قوله : (أي دين الإسلام) المراد به ما يشمل الإيمان ، وهو الذي ضرب له المثل المتقدم ، وأظهر في مقام الإضمار اعتناء بشأنه. قوله : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) أي تقريبا للمعقول من المحسوس ، فحيث كان نور الإيمان. والمعارف مثله هكذا ، فلا تدخل شبهة على المؤمن ، إلا شاهدها بعين البصيرة ، كما تشاهد بعين البصر ، ويشهد الحق بعين البصيرة ، كما يشهده بعين البصر ، وفي هذا المقام تنافس المتنافسون ، فأدناهم أهل المراقبة وأعلاهم أهل المشاهدة ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) وقوله في الحديث : «اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله» وقوله في الحديث أيضا : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه». للعارفين تفننات وضرب أمثال في هذه المقامات لا يدركها إلا من كان من أهل هذا النور.
قوله : (فِي بُيُوتٍ) المراد بها جميع المساجد ، وقيل خصوص مساجد أربع : الكعبة ومسجد المدينة وبيت المقدس وقباء ، لأنه لم يبنها إلا نبي ، فالكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل ، وبيت المقدس بناه داود وسليمان ، ومسجد المدينة وقباء بناهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والأقرب الأول ، لأن العبرة بعموم اللفظ. قوله : (يتعلق بيسبح الآتي) أي سواء قرىء ببنائه للفاعل أو المفعول ، وكرر الظرف وهو قوله فيها اعتناء بشأن المساجد ، لما ورد : بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء ، كما تضيء النجوم لأهل الأرض ، ويصح أن يكون متعلقا بمحذوف دل عليه قوله : (يُسَبِّحُ) والتقدير سبحوا ربكم في بيوت ، وعلى هذين فالوقف على عليم ، ويصح أن يكون الجار والمجرور صفة لمشكاة أو لمصباح أو لزجاجة ، أو متعلق بتوقد ، وعلى هذه الأربعة لا توقف على عليم.
قوله : (أَذِنَ اللهُ) أي أمر ، والجملة صفة لبيوت ، و (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور