الْمُؤْمِنِينَ) (٣) الأخيار ، نزل ذلك لما همّ فقراء المهاجرين أن يتزوجوا بغايا المشركين وهن موسرات لينفقن عليهم ، فقيل التحريم خاص بهم وقيل عام ، ونسخ بقوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) العفيفات بالزنا (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) على زناهن برؤيتهم (فَاجْلِدُوهُمْ) أي كل واحد منهم (ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً) في شيء (أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤) لإتيانهم كبيرة (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) عملهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لهم قذفهم (رَحِيمٌ) (٥) بهم بإلهامهم التوبة ، فبها ينتهي فسقهم وتقبل شهادتهم ، وقيل
____________________________________
نكاح الزاني أو المشرك. قوله : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي لما فيه من المفاسد ، كالطعن في النسب ، والتعرض للتهم ، والتشبه بالفساق ، فالواجب التزوج بالعفيفات لما في الحديث : «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس». قوله : (نزل ذلك) أي الآية ، وحينئذ فالمطابق لسبب النزول هو الجملة الثانية ، وإنما ذكر الأولى زيادة في التنفير. قوله : (وهن موسرات) أي غنيات. قوله : (خاص بهم) أي ولم ينسخ إلى الآن. قوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى) جمع أيم ، وهي من ليس لها زوج ، بكرا أو ثيبا ، ومن ليس له زوجة ، وهو يشمل الزاني والزانية وغيرهما فغاية الأمر أن نكاح الفاسق والفاسقة مكروه.
قوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) تقدم أن الزاني والزانية ، إما أن يرجما إن كانا محصنين ، أو يجلدا إن لم يكونا كذلك ، فتبين أن الزنا أمره عظيم شديد ، لا بد وأن يثبت ، إما بإقرار ، أو بأربعة عدول ، فإن انتفى واحد من ذلك حد المدعي ، فبين هذه الآية وما قبلها شدة مناسبة ، وقوله : (الَّذِينَ) مبتدأ ، و (يَرْمُونَ) صلته ، والخبر ثلاث جمل : الأولى (فَاجْلِدُوهُمْ). الثانية قوله : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً). الثالثة قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، ومعنى (يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) يتهمونهن ، فشبه الاتهام بالرمي ، بجامع التأدية للهلاك في كل ، لأنه إن ثبت ذلك الأمر فقد هلك المرمي ، وإن لم يثبت فقد هلك الرامي ، وقوله : (الْمُحْصَناتِ) لا مفهوم له ، بل وكذا المحصنون ، وإنما خصهن بالذكر ، لأن الشأن قوة شهوة النساء. قوله : (العفيفات) تفسير للمحصنات باعتبار اللغة ، لأن حصان كما يطلق على العفة ، يطلق على التزوج وعلى الحرية ، ومفهوم قوله : (العفيفات) أنه إذا رمي غير عفيف لا يحد ، ويشترط زيادة على العفة ، أن يكون المرمي يتأتى منه الزنا أو اللواط بأن يكون ذا آلة ، فإن رمي مجبوبا عزر ولا يحد ، وأن يكون حرا مسلما مكلفا ، فإن انتفى شرط منها لم يحد القاذف ، إلا رامي الصبي باللواط به أو الصبية المطيقين ، فعند مالك يحد ، وعند الشافعي يعزر. قوله : (بالزنا) أي أو اللواط في آدمي مطيق ، أو جني تشكل بآدمي. قوله : (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي عدول ، وقوله : (برؤيتهم) متعلق بشهداء ، أي يشهدون بأنهم رأوا الذكر في الفرج ، ولا بد أن يتحدوا في الرؤية والأداء ، فإن اختلفوا ولو في أي صفة حد الجميع. قوله : (أَبَداً) أي ما داموا مصرين على عدم التوبة بدليل الاستثناء ، وعلى هذا درج مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا تقبل شهادتهم ولو تابوا.
قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) استثناء متصل ، لأن المستثنى منه الذين يرمون والتائبون من جملتهم. قوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي القذف. قوله : (فبها ينتهي فسقهم) هذا مبني على رجوع الاستثناء للجملتين