فَاسْتَعِذْ) من شرهم (بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْبَصِيرُ) (٥٦) بأحوالهم ، ونزل في منكري البعث (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ابتداء (أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) مرة ثانية وهي الإعادة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) ذلك ، فهم كالأعمى ومن يعلمه كالبصير (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) لا (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وهو المحسن (وَلَا الْمُسِيءُ) فيه زيادة لا (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (٥٨) يتعظون بالياء والتاء ، أي تذكرهم قليل جدا (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ) شك (فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٩) بها (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي اعبدوني أثبكم بقرينة ما بعده (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ)
____________________________________
وصف كاشف ، إذ يستحيل المجادلة في آيات الله بسلطان. قوله : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ) خبر (إِنَ). قوله : (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) هذا وعد حسن من الله تعالى ، بأن المتكبر لا يبلغ ما أمله بكبره ، وإنما يجعل كيده في نحره. قوله : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي تحصن بالله من كيدهم ، والتجىء إليه في دفع مكرهم. قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) تعليل لما قبله.
قوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ) الخ ، أي سبعا طباقا على هذا الوجه المشاهد. قوله : (ابتداء) أي من غير سبق مثال. قوله : (أَكْبَرُ) أعظم بحسب العادة ، وإلا فالكل بالنسبة إليه تعالى ، لا تفاوت فيها بين الصغير والكبير ، بدءا وإعادة. قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي والأقل يعلمه وهو من آمن. قوله : (فهم كالأعمى) الخ. هذا نتيجة ما قبله ، وهو دخول على قوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى) الخ. قوله : (وَ) (لا) (الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، راجع للبصير ، وقوله : (وَلَا الْمُسِيءُ) راجع لقوله : (الْأَعْمى) على سبيل اللف والنشر المشوش ، وهو من أنواع البلاغة. قوله : (فيه زيادة لا) أي للتوكيد لطول الكلام بالصلة.
قوله : (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ قَلِيلاً) صفة لموصوف محذوف مفعول مطلق ، أي يتذكرون تذكرا قليلا ، و (ما) زائدة لتوكيد القلة. قوله : (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أي تذكرهم قليلا) هكذا بالنصب على الحال ، والخبر محذوف ، والتقدير يحصل حال كونه قليلا. قوله : (لا رَيْبَ فِيها) أي لوضوح الأدلة على حصولها. قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (بها) أي جحدا وعنادا ، والأقل يؤمنون لقيام الدليل العقلي والشرعي ، على أنه تعالى قادر على كل شيء ، وأخبر على ألسنة رسله أنه كما بدأنا يعيدنا ، فلو جوز تخلفه للزم ، إما كذب خبره تعالى أو عجزه ، وكلاهما محال تنزه الله عنه.
قوله : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الدعاء في الأصل ، السؤال والتضرع إلى الله تعالى في الحوائج الدنيوية والأخروية الجليلة والحقيرة ، ومنه ما ورد : ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها ، حتى في شسع نعله إذا انقطع ، وقوله : (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي أجبكم فيما طلبتم ، لما ورد : إذا قال العبد : يا رب ، قال الله : لبيك يا عبدي. إن قلت : قوله : (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وعد بالإجابة ، ووعده لا يتخلف ، مع أنه مشاهد أن الإنسان قد يدعو ولا يستجاب له. أجيب : بأن الدعاء له شروط ، فإذا تخلف بعضها تخلفت الإجابة ، منها : إقبال العبد بكليته على الله وقت الدعاء ، بحيث لا يحصل في قلبه غير ربه ، وأن لا يكون