القيامة ، لتلاقي أهل السماء والأرض ، والعابد والمعبود ، والظالم والمظلوم فيه (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) خارجون من قبورهم (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ يقوله تعالى ويجيب نفسه (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١٦) أي لخلقه (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٧) يحاسب جميع الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) يوم القيامة من أزف الرحيل قرب (إِذِ الْقُلُوبُ) ترتفع خوفا (لَدَى) عند (الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) ممتلئين غما حال من القلوب عوملت بالجمع بالياء والنون معاملة أصحابها (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) محب (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١٨) لا مفهوم للوصف إذ لا شفيع لهم أصلا ، فما لنا من شافعين أو له مفهوم بناء على زعمهم أن لهم شفعاء أي لو شفعوا فرضا لم يقبلوا (يَعْلَمُ) أي الله
____________________________________
سبعيات. قوله : (لتلاقي أهل السماء) علة لتسمية (يَوْمَ التَّلاقِ). قوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) بدل من (يَوْمَ التَّلاقِ) بدل كل من كل ، ويكتب (يَوْمَ) هنا وفي الذاريات في قوله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) منفصلا ، لأن (هُمْ) مرفوع بالابتداء فيهما ، فالمناسب القطع ، وأما في غير هذين المحلين نحو (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ* يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) فيكتب موصولا ، لأن هم مجرور ، فالمناسب وصله. قوله : (خارجون من قبورهم) أي ظاهرون لا يستترون بشيء ، لكون الأرض إذ ذاك قاعا صفصفا ، لما في الحديث : «يحشرون حفاة عراة غرلا».
قوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) الحكمة في تخصيص ذلك اليوم ، مع أن الله لا يخفى عليه شيء في سائر الأيام ، أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا ، أنهم إذا استتروا بالحيطان مثلا ، لا يراهم الله ، وفي هذا اليوم لا يتوهمون هذا التوهم. قوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) هذا حكاية لما يقع من السؤال والجواب حينئذ ، وهو كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : ما ذا يكون حينئذ؟ فقيل : يقال (لِمَنِ الْمُلْكُ) الخ. قوله : (يقول الله تعالى) قيل في القيامة كما ورد : يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة ، لم يعص الله عليها ، فيؤمر مناد ينادي : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ فيقول له العباد مؤمنهم وكافرهم (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا ، ويقول الكافرون غما وانقيادا وخضوعا ، وقيل : بين النفختين حين تفنى جميع الخلائق ويبقى الله وحده ، فلا يرى غير نفسه ، فيقول (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيجيب نفسه بعد أربعين سنة (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) لأنه بقي وحده قهر خلقه.
قوله : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) الخ ، إما من تتمة الجواب ، أو لحكاية ما يقوله الله تعالى عقب جواب الخلق. قوله : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ لا) نافية ، للجنس ، و (ظُلْمَ) اسمها ، و (الْيَوْمَ) خبرها. قوله : (في قدر نصف النهار) أي ولا يشغله حساب أحد عن أحد ، بل كل إنسان يرى أنه هو المحاسب. قوله : (من أزف الرحيل) من باب تعب أي دنا وقرب. قوله : (إِذِ الْقُلُوبُ) بدل من (يَوْمَ الْآزِفَةِ) و (الْقُلُوبُ) مبتدأ خبره (لَدَى الْحَناجِرِ) وهو متعلق بمحذوف قدره بقوله : (ترتفع). قوله : (الْحَناجِرِ) جمع حنجور كحلقرم وزنا ومعنى ، أو جمع حنجرة. قوله : (مِنْ حَمِيمٍ مِنْ) زائدة في المبتدأ. قوله : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) أي يؤذن له في الشفاعة فيقبل. قوله : (إذ لا شفيع لهم أصلا) أي لا مطاع ولا غيره. قوله : (أي لو شفعوا) الخ ، تفسير للمفهوم على الوجه الثاني.