(مِنَ اللهِ) خبره (الْعَزِيزِ) في ملكه (الْعَلِيمِ) (٢) بخلقه (غافِرِ الذَّنْبِ) للمؤمنين (وَقابِلِ التَّوْبِ) لهم مصدر (شَدِيدِ الْعِقابِ) للكافرين أي مشدّدة (ذِي الطَّوْلِ) أي الإنعام الواسع ، وهو موصوف على الدوام بكل من هذه الصفات ، فإضافة المشتق منها للتعريف كالأخيرة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣) المرجع (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) القرآن (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) (٤) للمعاش سالمين فإن عاقبتهم النار (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ) كعاد وثمود وغيرهما (مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) يقتلوه (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا) يزيلوا (بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ) بالعقاب (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) (٥) لهم؟ أي هو واقع موقعه (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الآية (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ
____________________________________
أسماء وفواتح سور». قوله : (الْعَزِيزِ) (في خلقه) أشار إلى أنه من عز ، بمعنى قهر وغلب.
قوله : (غافِرِ الذَّنْبِ) أي ماحيه من الصحف. واعلم أن غافر وغفار وغفور ، صيغ نسب على الصحيح ، لأن أوصافه تعالى لا تفاوت فيها ، بخلاف أوصاف الحوادث. قوله : (وَقابِلِ التَّوْبِ) أتى بالواو إشارة إلى أنه تعالى يجمع للمؤمنين بين محو الذنوب وقبول التوبة ، فلا تلازم بين الوصفين بل بينهما تغاير ، إذ يمكن محو الذنوب من غير توبة ، ويمكن قبول التوبة في بعض الذنوب دون بعض. قوله : (مصدر) وقيل جمع توبة كدوم ودومة. قوله : (للكافرين) أي وأما العصاة وإن عوقبوا ، فلا يعاملهم الله بالشدة. قوله : (أي الإنعام الواسع) وقيل : (الطَّوْلِ) بالفتح المن ، وقيل : هو الغنى والسعة ، وكلها ترجع لما قال المفسر. قوله : (وهو موصوف على الدوام) الخ ، هذه العبارة جواب عما يقال : إن الصفات الثلاث التي هي غافر وقابل وشديد مشتقات ، وإضافة المشتق لا تفيده تعريفا ، فكيف وقعت صفات للمعرفة التي هي لفظ الجلالة؟ فأجاب المفسر : بأن محل ذلك ما لم يقصد بالمشتق الدوام. وإلا تعرف بالإضافة نظيره ما قيل في (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). وأجيب أيضا بأن الكل إبدال وهو لا يشترط فيه التبعية في التعريف.
قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) يصح أن يكون حالا ، لأن الجمل بعد المعارف أحوال ، ويصح أن يكون مستأنفا. قوله : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي فيجازي كل واحد بعمله. قوله : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) أي في إبطالها والطعن فيها ، وهذا هو الجدال المذموم ، وأما الجدال في نصر آيات الله بالحجج القاطعة الذي هو وظيفة الأنبياء ومن على قدمهم فهو ممدوح ، ومنه قوله تعالى (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). قوله : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ) الخ ، الفاء واقعة في جواب شرط مقدر تقديره : إذا علمت أنهم كفار فلا تحزن ، ولا يغررك إمهالهم ، فإنهم مأخوذون عن قريب ، وهذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم. قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي قبل أهل مكة ، وهو تسلية له صلىاللهعليهوسلم أيضا. قوله : (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد قوم نوح. قوله : (لِيَأْخُذُوهُ) أي يتمكنوا من إصابته بما أرادوه به. قوله : (أي هو واقع موقعه) أي فهو عدل منه سبحانه وتعالى.
قوله : (وَكَذلِكَ) أي كما وقع للأمم السابقة. قوله : (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي وجبت وثبتت. والمعنى : مثل ما وقع وحصل للمكذبين قبل هؤلاء ، يحصل لهؤلاء في الآخرة ، وإكرامهم في الدنيا بالنعم ،