اللهُ) من الحور والولدان وغيرهما (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ) أي جميع الخلائق الموتى (قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٦٨) ينتظرون ما يفعل بهم (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ) أضاءت (بِنُورِ رَبِّها) حين يتجلى
____________________________________
وتسخير البحار ، والناس أحياء والهون ينظرون إليها ، فتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هو بسكارى وهي المعنية بقوله : تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) والنفخة الثانية يكون بها الصعق ، وعندها يموت كل من كان حيا حياة دنيوية ، وأما من كان حيا حياة برزخية فإنه يغشى عليه ، والنفخة الثالثة نفخة القيام ، وبين هاتين النفختين أربعون سنة على الصحيح ، لتستريح الأرض من الهول الذي حصل لها ، وفي تلك المدة تمطر السماء وتنبت الأرض ، ولا حي على ظهرها من سائر المخلوقات. قوله : (مات) أي ما كان حيا في الدنيا ، ويغشى على من كان ميتا من قبل ، لكنه حي في قبره ، كالأنبياء والشهداء. قوله : (من الحور) الخ ، أي فهو استثناء من الصعق بمعنى الموت ، ويستثنى منه بمعنى الغشي والدهش موسى عليهالسلام ، فإنه لا يغشى عليه ، بل يبقى متيقظا ثابتا ، لأنه صعق في الدنيا في قصة الجبل ، فلا يصعق مرة أخرى. قوله : (وغيرهما) أي كجبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت ، فإنهم لا يموتون بالنفخة الأولى ، وإنما يموتون بين النفختين ، لما روي : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلا (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) الآية فقالوا : يا نبي الله من هم الذين استثنى الله تعالى؟ قال : «هم جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت ، فيقول الله لملك الموت : يا ملك الموت من بقي من خلقي وهو أعلم ، فيقول : يا رب بقي جبريل وميكائيل واسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت ، فيقول الله تعالى : خذ نفس اسرافيل وميكائيل ، فيخران ميتين كالطودين العظيمين ، فيقول : مت يا ملك الموت ، فيموت ، فيقول الله لجبريل : يا جبريل من بقي؟ فيقول : تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، وجهك الباقي الدائم ، وجبريل الميت الفاني ، فيقول الله تعالى : يا جبريل لا بد من موتك ، فيقع ساجدا يخفق بجناحيه يقول : سبحانك ربي تباركت وتعاليت ، يا ذا الجلال والإكرام».
قوله : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) أي بعد أربعين سنة على الصحيح ، وقرب نفخة القيام ، تأتي سحابة من تحت العرش ، فتمطر ماء خاثرا كالمني ، فتنبت أجسام الخلائق كما تنبت البقل فتتكامل أجسامهم ، وكل ابن آدم تأكله الأرض ، إلا عجب الذنب ، فإنه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف ، فتركب عليه أجزاؤه ، فإذا تم وتكامل ، نفخ فيه الروح ، ثم انشق عنه القبر ، ثم قام خلقا سويا ، وفي النفخة الثانية يقول : أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، والأعضاء المتمزقة ، والشعور المنتثرة ، إن الله المصور الخالق يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ، فيجتمعن ، ثم ينادي : قوموا للعرض على الجبار فيقومون ، كما قال تعالى : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) الآية ، فإذا خرجوا من قبورهم تتلقى المؤمنون بمراكب من رحمة الله ، كما قال تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) ويمشي المجرمون على أقدامهم حاملين أوزارهم ، كما قال تعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) وفي الآية الأخرى (يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ). قوله : (فَإِذا هُمْ قِيامٌ) بالرفع في قراءة العامة خبر عن الضمير ، وقرىء شذوذا بالنصب على الحال ، وخبر الضمير.
قوله : (يَنْظُرُونَ). قوله : (ما يفعل بهم) أي من الحساب والمرور على الصراط ، وإدخالهم الجنة أو النار.