وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٨) أصحاب العقول (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) أي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الآية (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) تخرج (مَنْ فِي النَّارِ) (١٩) جواب الشرط ، وأقيم فيه الظاهر مقام المضمر ، والهمزة للإنكار ، والمعنى : لا تقدر على هدايته فتنقذه من النار (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) بأن أطاعوه (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت الغرف الفوقانية والتحتانية (وَعْدَ اللهِ) منصوب بفعله المقدر (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (٢٠) وعده (أَلَمْ تَرَ) تعلم (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ) أدخله أمكنة نبع (فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ) ييبس (فَتَراهُ) بعد الخضرة مثلا (مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) فتاتا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) تذكيرا (لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٢١) يتذكرون به ، لدلالته على وحدانية الله تعالى وقدرته
____________________________________
قوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) إلخ ، يحتمل أن ما شرطية ، وجوابها قوله : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) كما قال المفسر ، وأعيدت الهمزة لتأكيد معنى الإنكار ولطول الكلام ، وأقيم الظاهر مقام المضمر ، أي أفأنت تنقذه ، ويحتمل أنها موصولة مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره أنت لا تنفعه فجملة قوله : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) مستقلة مؤكدة لما قبلها ، وهذه الآية نزلت في حق أبي لهب وولده ، ومن تخلف من عشيرة النبي صلىاللهعليهوسلم عن الإيمان ، وقد كان حريصا على إيمانهم. قوله : (والهمزة) أي الأولى والثانية توكيد لها. قوله : (للإنكار) أي الاستفهام الإنكاري. قوله : (والمعنى لا تقدر على هدايته) إلخ ، أشار بهذه إلى أن قوله : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) مجاز مرسل ، حيث أطلق المسبب وأراد السبب ، لأن الإدخال في النار ، مسبب عن الضلال وترك الهدى ، كأنه قال : أنت تهدي من أضله الله ، وجعل له النار بسبب ضلاله ، وجعلها السمرقندي في حواشي رسالته استعارة بالكناية ، حيث شبه استحقاقهم العذاب بالدخول في النار ، على طريق المكنية في المركب ، وحذف المركب الدال على المشبه به ، ورمز له بذكر شيء من لوازمه وهو الإنقاذ ، وفيه إشكال ، انظر بسطه في حاشيتنا على رسالة البيان ، لأستاذنا الشيخ الدردير.
قوله : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي وهم الموصوفون بالصفات الجميلة السابقة المخاطبون بقوله : (يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) الآية ، ولكن ليست للاستدراك ، وإنما هي للإضراب عن قصة إلى قصة مخالفة للأولى. قوله : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) مقابل قوله في حق أهل النار (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) قوله : (بفعله المقدر) أي وتقديره وعدهم الله وعدا. قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) إلخ ، استئناف مسوق لبيان تمثيل الحياة الدنيا في سرعة زوالها وقرب اضمحلالها ، بما ذكر من أحوال الزرع ، تحذيرا عن زخارفها والاغترار بها. قوله : (أدخله أمكنة نبع) أي فمراده بالينابيع الأمكنة التي أودعت فيها المياه السماوية لمنافع العباد ، بحيث تكون قريبة من وجه الأرض ، وتطلق الينابيع على نفس الماء الجاري على وجه الأرض ، وكل صحيح. قوله : (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) صيغة المضارع لاستحضار الصورة واستمرارها. قوله : (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي من أحمر وأخضر وأصفر وأبيض ، واختلاف تلك الألوان ، إما ثماره أو عوده ، ومراده بالزرع كل ما يستنبت. قوله : (فتاتا) أي متفتتا ومتمزقا.
قوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) إلخ ، الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه ، والتقدير :