الأنفس في النار ، وبعدم وصولهم إلى الحور المعدّة لهم في الجنة لو آمنوا (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١٥) البيّن (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) طباق (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) من النار (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) أي المؤمنين ليتقوه ، يدل عليه (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (١٦) (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) الأوثان (أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا) أقبلوا (إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) بالجنة (فَبَشِّرْ عِبادِ) (١٧) (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وهو ما فيه صلاحهم (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ
____________________________________
ورد : أن الله تعالى جعل لكل انسان منزلا وأهلا في الجنة ، فمن عمل بطاعة الله ، كان ذلك المنزل والأهل له ، ومن عمل بمعصية الله دخل النار ، وكان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله ، فخسر نفسه وأهله ومنزله ، وقيل : المراد أهلهم في الدنيا ، لأنهم إن كانوا من أهل النار ، فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة ، فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده. قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي حين يدخلون النار. قوله : (بتخليد الأنفس) راجع لقوله : (أَنْفُسَهُمْ). قوله : (بعد وصولهم إلى الحور العين) إلخ ، راجع لقوله : (وَأَهْلِيهِمْ) على سبيل اللف والنشر المرتب. قوله : (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) أي الذي لا خفاء فيه ، وتصدير الجملة بأداة التنبيه ، إشارة إلى فظاعته وشناعته.
قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ لَهُمْ) خبر مقدم ، و (ظُلَلٌ) مبتدأ مؤخر ، و (مِنْ فَوْقِهِمْ) حال. قوله : (طباق) أي قطع كبار ، وإطلاق الظلل عليها تهكم ، وإلا فهي محرقة ، والظلة تقي من الحر. قوله : (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) أي لغيرهم وإن كان فراشا لهم ، لأن النار دركات ، فما كان فراشا لجماعة ، يكون ظلة لآخرين. قوله : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) أي فالحكمة في ذكر أحوال أهل النار ، تخويف المؤمنين منها ليتقوها بطاعة ربهم. قوله : (يدل عليه) أي على الوصف المقدر وهو قوله : (المؤمنين).
قوله : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) إلخ ، قيل : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان وعبد الرحمن ابن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، سألوا أبا بكر رضي الله عنه ، فأخبرهم بإيمانه فآمنوا. قوله : (الأوثان) هذا أحد أقوال في تفسيره ، وقيل هو الشيطان ، وقيل : كل ما عبد من دون الله تعالى ، وقيل : غير ذلك. قوله : (لَهُمُ الْبُشْرى) (بالجنة) أي على ألسنة الرسل ، أو على ألسنة الملائكة ، عند حضور الموت ، وفي الحقيقة البشرى تحصل لهم في الدنيا ، بالثناء عليهم بصالح أعمالهم ، وعند الموت وعند الوضع في القبر ، وعند الخروج من القبور ، وعند الوقوف للحساب ، وعند المرور على الصراط ، ففي كل موقف من هذه المواقف ، تحصل لهم البشارة بالروح والريحان.
قوله : (فَبَشِّرْ عِبادِ) أي الموصوفين باجتناب الأوثان ، والإثابة إلى الله تعالى ، والإضافة لتشريف المضاف. قوله : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) قيل : المراد يسمعون الحسن والقبيح ، فيتحدثون بالحسن ويكفون عن القبيح ، وقيل : يسمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن ، وقيل : يسمعون القرآن وأقوال الرسول ، فيتبعون المحكم ويعملون به ، ويتركون المتشابه ويفوضون علمه لله تعالى ، وقيل : يسمعون العزيمة والرخصة ، فيأخذون العزيمة ويتركون الرخصة ، وكل صحيح. قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) أي الموصوفون بتلك الأوصاف.