(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) فاهتدى (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) كمن طبع على قلبه دل على هذا (فَوَيْلٌ) كلمة عذاب (لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أي عن قبول القرآن (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٢) بيّن (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً) بدل من أحسن أي قرآنا (مُتَشابِهاً) أي يشبه بعضه بعضا في النظم وغيره (مَثانِيَ) ثنى فيه الوعد والوعيد وغيرهما (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ) ترتعد عند ذكر وعيده (جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ) يخافون (رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ) تطمئن (جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى
____________________________________
أكل الناس سواء؟ فمن شرح الله صدره إلخ ، والاستفهام إنكاري ، ومن اسم موصول مبتدأ خبره محذف قدره المفسر بقوله : (كمن طبع) الخ ، وهذه الآية مرتبة على قوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ). قوله : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) أي نور المعرفة والاهتداء ، وفي الحديث : «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسخ ، فقيل : ما علامة ذلك؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والتأهب للموت قبل نزوله». قوله : (دل على هذا) أي المقدر. قوله : (كلمة العذاب) أي كلمة تقيد العذاب للمخاطب بها. قوله : (أي عن قبول القرآن) أشار بذلك إلى أن (مِنْ) بمعنى عن ، وفي الكلام مضاف محذوف ، ويصح أن تبقى من على بابها للتعليل ، أي قست قلوبهم من أجل ذكر الله ، لفساد قلوبهم وخسرانها. ومن المعلوم المشاهد ، أن الأطعمة الفاخرة ، تكون داء لبعض المرضى ، ومن هنا قول بعض العارفين : ألا بذكر الله تزداد الذنوب وتنطمس البصائر والقلوب.
قوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) إلخ ، سبب نزولها : أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حصل لهم بعض ملل ، فقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : حدثنا حديثا حسنا ، فنزلت. قوله : (في النظم) أي اللفظ ، وقوله : (وغيره) أي المعنى كالبلاغة والدلالة على المنافع. قال البوصيري رضي الله عنه في هذا المعنى :
ردت بلاغتها دعوى معارضها |
|
رد الغيور يد الجاني عن الحرم |
فما تعد ولا تحصى عجائبها |
|
ولا تسام من الإكثار بالسأم |
واعلم أنه في هذه الآية أثبت أن القرآن متشابه ، وفي آية أخرى أثبت أنه محكم ، وفي آية أخرى أن بعضه محكم وبعضه متشابه ، ووجه الجمع بينها ، أن المراد بالمتشابه في آية الاقتصار عليه ، ما أشبه بعضه بعضا في اللفظ ، والمعنى من حيث البلاغة وحسن الترتيب ، وبالمحكم في آية الاقتصار عليه ، ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبالمتشابه في آية الجمع ما خفي معناه ، وبالمحكم ما ظهر معناه ، وتقدم هذا الجمع. قوله : (مَثانِيَ) جمع مثنى من التثنية بمعنى التكرير ، ووصف به المفرد وهو الكتاب ، لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل تثنى وتكرر ، نظير قولك : الإنسان عروق وعظام وأعصاب. قوله : (وغيرهما) أي كالقصص والأحكام.
قوله : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ) أي تنقبض وتتجمع من الخوف. قوله : (عند ذكر وعيده) أشار بهذا إلى أن (إِلى) بمعنى عند. قوله : (تطمئن) أي تسكن وتستقر. قوله : (أي عند ذكر وعده) أشار إلى أن (إِلى) بمعنى عند ، فالتضمين في الحرف وهو أحد وجهين ، والآخر أنه ضمن (تَلِينُ) معنى تسكن ، فعداه بإلى ، والمفسر قد جمع بينهما. والحاصل : أن الله تعالى بين حال المؤمن عند سماع القرآن ، ففي حال ذكر الوعيد يغلب عليه الخوف فيتصاغر ، وفي حال ذكر الوعد ، يغلب عليه الرجاء ، فيتسع صدره ، وتطمئن