النَّهارِ) يدخله (عَلَى اللَّيْلِ) فيزيد (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي) في فلكه (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) ليوم القيامة (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمره ، المنتقم من أعدائه (الْغَفَّارُ) (٥) لأوليائه (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أي آدم (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) حواء (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) الإبل والبقر والغنم والضأن والمعز (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) من كلّ زوجان ذكر وأنثى كما بين في سورة الأنعام (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) أي نطفا ثم علقا ثم مضغا (فِي ظُلُماتٍ
____________________________________
واتصافه بالصفات الجليلة. قوله : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ) من التكوير ، وهو في الأصل اللف واللّي ، يقال كور العمامة على رأسه ، أي لفها ولواها ، ثم استعمل في الإدخال والإغشاء ، فكان الليل يغشى النهار ، والنهار يغشى الليل. قوله : (فيزيد) تقدم أن منتهى الزيادة أربع عشرة ساعة ، ومنتهى النقص عشر ساعات ، فالزيادة أربع ساعات ، تارة تكون في الليل ، وتارة تكون في النهار. قوله : (ليوم القيامة) أي ثم ينقطع جريانه لانتقال العالم من الدنيا ، فإن تسخير الشمس والقمر ، إنما كان في الدنيا لمصالح العالم ، فلما انتقل العالم ، فقد فرغت مصالحه. قوله : (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) إنما صدرت الجملة بحرف التنبيه ، للدلالة على كمال الاعتناء بمضمونها ، كأنه قال : تنبهوا يا عبادي ، فإني الغالب على أمري ، الستار لذنوب خلقي ، فلا تشركوا بي شيئا وأخلصوا عبادتكم لي.
قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هذا من جملة أدلة توحيده وانفراده بالعزة والقهر ، وجميع صفات الألوهية. قوله : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) إن قلت : إن (ثُمَ) للترتيب ، فيقتضي أن خلق الذرية قبل خلق حواء ، هو خلاف المعروف المشاهد. وأجيب بثلاثة أجوبة ، الأول ، أن (ثُمَ) لمجرد الإخبار ، لا لترتيب الإيجاد. الثاني : أن المعطوف متعلق بمعنى واحدة ، و (ثُمَ) عاطفة عليه ، كأنه قال : خلقكم من نفس كانت متوحدة لم يخلق نظيرها ، ثم شفعت بزوج. الثالث : أن معنى (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أخرجكم منها يوم أخذ الميثاق في دفعة واحدة ، لأن الله تعالى خلق آدم ، وأؤدع في صلبه أولاده كالذر ، ثم أخرجهم وأخذ عليهم الميثاق ، ثم ردهم إلى ظهره ، ثم خلق منهم حواء.
قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) إلخ إنما عبر عنها بالنزول ، لأنها تكونت بالنبات ، وهو غذاء لها ، والنبات بالماء المنزل ، فهو يسمى عندهم بالتدريج ، ومنه قوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) الآية ، وقيل : إن الإنزال حقيقة لما روي أن الله خلق الأنعام في الجنة ، ثم أنزلها في الأرض ، كما قيل في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) فإن آدم لما هبط إلى الأرض نزل معه الحديد. قوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) الزوج ما معه آخر من جنسه ، ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر. قوله : (كما بين في سورة الأنعام) أي في قوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) الآيات.
قوله : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) هذا بيان لكيفية الخلق الدالة على باهر قدرته تعالى. قوله : (خَلْقاً) مصدر ليخلقكم ، وقوله : (مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) صفة لخلقا. قوله : (أي نطفا) إلخ ، فيه قصور ، وعكس ترتيب الإيجاد ، فالمناسب أن يقول : أي حيوانا سويا ، من بعد عظام مكسوة لحما ، من بعد عظام عارية ، من بعد مضغ ، من بعد علق ، من بعد نطف. قوله : (فِي ظُلُماتٍ) بدل اشتمال من بطون أمهاتكم بإعادة الجار ، ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه المصدر ، لأنه من تتمة العامل فليس