(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) الأصنام (أَوْلِياءَ) وهم كفار مكة قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) قربى مصدر بمعنى تقريبا (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) وبين المسلمين (فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين ، فيدخل المؤمنين الجنة ، والكافرين النار (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ) في نسبة الولد إليه (كَفَّارٌ) (٣) بعبادته غير الله (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) كما قالوا : (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً* لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) واتخذه ولدا ، غير من قالوا : الملائكة بنات الله ، وعزير ابن الله ، والمسيح ابن الله (سُبْحانَهُ) تنزيها له عن اتخاذ الولد (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٤) لخلقه (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) متعلق بخلق (يُكَوِّرُ) يدخل (اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) فيزيد (وَيُكَوِّرُ
____________________________________
الدِّينَ) إلخ ، (أَلا) أداة استفتاح ، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإخلاص.
قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) إلخ ، اسم الموصول مبتدأ ، (اتَّخَذُوا) صلته ، والخبر محذوف قدره المفسر بقوله : (قالوا) وقوله : (ما نَعْبُدُهُمْ) إلخ ، مقول لذلك القول ، وقوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) إلخ ، استئناف بياني واقع في جواب سؤال مقدر تقديره ما ذا يحصل لهم؟ وهذا هو الأحسن ، وقيل : إن خبر المبتدأ وهو قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ) إلخ ، وقوله : (ما نَعْبُدُهُمْ) حال من فاعل (اتَّخَذُوا) على تقدير القول ، أي قائلين (ما نَعْبُدُهُمْ) الخ. قوله : (الأصنام) قدره اشارة إلى أن (اتَّخَذُوا) تنصب مفعولين ، الأول محذوف. قوله : (وهم كفار مكة) تفسير للموصول. قوله : (قالوا) (ما نَعْبُدُهُمْ) إلخ ، أي فكانوا إذا قيل لهم : من خلقكم ، ومن خلق السماوات والأرض ، ومن ربكم؟ فيقولون : الله ، فيقال لهم : وما معنى عبادتكم الأصنام؟ فيقولون لتقربنا إلى الله زلفى ، تشفع لنا عنده. قوله : (مصدر) أي مؤكد ملاق لعامله في المعنى ، والتقدير ليزلفونا زلفى ، أو ليقربونا قربى ، قوله : (وبين المسلمين) أشار بذلك إلى أن المقابل محذوف. قوله : (فيدخل المؤمنين الجنة) أي فالمراد بالحكم تمييز كل فريق عن الآخر. قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي لا يوفق للهدي من هو كاذب كفار ، أي مجبول على الكذب والكفر في علمه تعالى. قوله : (في نسبة الولد إليه) أشار بذلك إلى أن قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) إلخ ، توطئة لقوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ) إلخ ، ويصح أن يكون من تتمة ما قبله ، وحينئذ فيقال كاذب في نسبة الألوهية لغيره تعالى.
قوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) أي لو تعلقت ارادته باتخاذ ولد على سبيل الفرض والتقدير ، والآية اشارة إلى قياس استثنائي حذفت صغراه ، ونتيجته وتقريره أن يقال : لو أراد الله أن يتخذ ولدا ، لاصطفى مما يخلق ما يشاء ، لكنه لم يصطف من خلقه شيئا ، فلم يرد أن يتخذ ولدا. قوله : (غير من قالوا) أي غير المخلوق الذي قالوا في شأنه انه ابن الله. قوله : (تنزيها عن اتخاذ الولد) أي لأنه امتنع عقلا ونقلا ، أما عقلا فلأنه يلزم أن يكون الولد من جنس خالقه ، وكونه جنسا منه ، يستلزم حدوث الخالق وهو باطل ، وأما نقلا فقد تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والكتب السماوية ، على أن الله تعالى لم يتخذ ولدا.
قوله : (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) هذا بيان لتنزه في الصفات ، اثر بيان تنزهه في الذات ، لأن الوحدة تنافي المماثلة فضلا عن الولد ، والقهارية تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد ، وإلا لكان مقهورا ، تعالى الله عن ذلك. قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) تفصيل لبعض أفعاله الدالة على انفراده بالألوهية ،