النفس (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن الدلائل الدالة على توحيده (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن الإيمان بالله (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا) بنسيانهم (يَوْمَ الْحِسابِ) (٢٦) المرتب عليه تركهم الإيمان ، ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) أي عبثا (ذلِكَ) أي خلق ما ذكر لا لشيء (ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (فَوَيْلٌ) واد (لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (٢٧) (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٢٨) نزل لما قال كفار مكة للمؤمنين : إنا نعطي في الآخرة مثل ما تعطون ، وأم بمعنى همزة الإنكار (كِتابٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا) أصله يتدبروا أدغمت التاء في الدال (آياتِهِ) ينظروا في معانيها فيؤمنوا
____________________________________
(بِالْحَقِ) أي العدل ، لأن الأحكام إذا كانت موافقة لما أمر الله به ، صلحت الخلق واستقام نظامهم ، بخلاف ما إذا كانت موافقة لهوى النفس ، فإن ذلك يؤدي إلى فساد النظام ، ووقوع الهرج والمرج المؤدي للهلاك ، وهو معنى قولهم : العدل إن دام عمر ، والظلم إن دام دمر.
قوله : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) المقصود من نهيه اعلام أمته بأنه معصوم ، ولتتبعه فيما أمر به ، لأنه إذا كان هذا الخطاب للمعصوم فيغيره أولى. قوله : (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بالنصب في جواب النهي ، وهو أولى من جعله مجزوما عطفا على النهي ، وفتح للتخلص من التقاء الساكنين. قوله : (أي عن الدلائل الدالة على توحيده) إنما فسر السبيل بذلك وإن كان شاملا لفروع الدين الموصلة إلى الله تعالى ، ليوافق قوله : (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) إلخ. قوله : (بنسيانهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية والباء سببية ، وقوله : (يَوْمَ الْحِسابِ) إما ظرف لقوله : (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أو مفعول لنسوا. قوله : (المرتب عليه) إلخ ، أي فالسبب الحقيقي في حصول العذاب لهم ، هو ترك الإيمان ، ونسيان يوم الحساب سبب في ترك الإيمان ، فاكتفى بذكر السبب.
قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ) إلخ ، استئناف لتقرير ما قبله من البعث والحساب. قوله : (باطِلاً) نعت لمصدر محذوف ، أي خلقنا باطلا ، أو حال من ضمير الخلق. قوله : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي مظنونهم. قوله : (فَوَيْلٌ) هو في الأصل معناه الهلاك ، أي هلاك ودمار للذين كفروا ، وعبر بالظاهر تقبيحا عليهم ، واشارة إلى أن ظنهم إنما نشأ من أجل كفرهم. قوله : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إلخ (أَمْ) منقطعة تفسر ببل والهمزة ، وهو إضراب انتقالي من أمر البعث والحساب ، إلى بيان عدم استواء المؤمنين والكافرين في العواقب ، وهو نظير قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية.
قوله : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ) إلخ ، تنويع آخر في الإضراب ، والمعنى واحد. قوله : (بمعنى همزة الإنكار) أي مع بل التي للإضراب. قوله : (خبر مبتدأ محذوف) أي و (أَنْزَلْناهُ) صفة (كِتابٌ) و (مُبارَكٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر ثان لا صفة ثانية للكتاب ، لأنه يلزم عليه الوصف بالجملة قبل الوصف بالمفرد ، وفيه خلاف. قوله : (ينظروا في معانيها) أي يتأملوا فيها ، فيزدادوا معرفة ونورا على