(وَلِيَتَذَكَّرَ) يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٩) أصحاب العقول (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) ابنه (نِعْمَ الْعَبْدُ) أي سليمان (إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٣٠) رجاع في التسبيح والذكر في جميع الأوقات (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِ) هو ما بعد الزوال (الصَّافِناتُ) الخيل جمع صافنة ، وهي القائمة على ثلاث وإقامة الأخرى على طرف الحافر وهو من صفن يصفن صفونا (الْجِيادُ) (٣١) جمع جواد وهو السابق ، المعنى : أنها إذا استوقفت سكنت وإن ركضت سبقت وكانت ألف فرس عرضت عليه بعد أن صلى الظهر ، لإرادته الجهاد عليها لعدو ، فعند بلوغ العرض منها تسعمائة غربت الشمس ولم يكن صلى العصر فاغتمّ (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ) أي أردت (حُبَّ الْخَيْرِ) أي الخيل (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) أي صلاة العصر (حَتَّى تَوارَتْ) أي الشمس (بِالْحِجابِ) (٣٢) أي استترت بما يحجبها عن الأبصار (رُدُّوها عَلَيَ) أي الخيل المعروضة فردّوها (فَطَفِقَ مَسْحاً) بالسيف (بِالسُّوقِ) جمع ساق
____________________________________
حسب مشاربهم ، فإن التالين للقرآن على مراتب ، فالعامة يقرؤونه مرتلا مجودا مراعي بعض معانيه على حسب الطاقة ، والخاصة يقرؤونه ملاحظين أنهم في حضرة الله تعالى يقرؤون كلامه عليه ، وخاصة الخاصة يقرؤون فانين عن أنفسهم مشاهدين أن لسانهم ترجمان عن الله تعالى ، رضي الله عنهم وعنا بهم. قوله : (أُولُوا الْأَلْبابِ) خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بالذكر.
قوله : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ) أي من المرأة التي أخذها من أوريا ، وكان سنه إذ ذاك سبعين سنة. قوله : (أي سليمان) تفسير للمخصوص بالمدح. قوله : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) ظرف لمحذوف تقديره : اذكر يا محمد لقومك وقت أن عرض إلخ ، والمعنى اذكر القصة الواقعة في ذلك الوقت. قوله : (ما بعد الزوال) أي إلى الغروب. قوله : (وهي القائمة) أي الواقفة على ثلاثة قوائم. قوله : (على طرف الحافر) أي من رجل أو يد. قوله : (وهو من صفن) أي مأخوذ منه ، والصافن من الآدميين الذي يصف قدميه ويقرن بينهما ، وجمعه صفون. قوله : (جمع جواد) وقيل : جمع جيد يطلق على كل من الذكر والأنثى ، مأخوذ من الجودة أو الجيد وهو العنق ، والمعنى طويلة العنق لفراهتها. قوله : (المعنى) أي معنى الصافنات الجياد. قوله : (وكان ألف فرس) روي أنه غزا أهل دمشق ونصيبين وأصاب منهم ألف فرس ، وقيل : أصابها أبوه من العمالقة فوضع يده عليها لبيت المال ، وقيل : خرجت له من البحر ولها أجنحة. قوله : (لإرادة الجهاد) أي ليختبرها.
قوله : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ) إلخ ، أي على وجه الاعتذار عما صدر منه وندما عليه ، وضمن أحببت معنى آثرت فعداه بعن. قوله : (أي الخيل) إنما سماها خيرا لتعلق الخير بها لما في الحديث : «الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة». قوله : (بِالْحِجابِ) أي وهو جبل دون جبل ق بمسيرة سنة تغرب من ورائه. قوله : (رُدُّوها عَلَيَ) الخطاب لأتباعه المتولين أمر الخيل ، والضمير عائد على التي شغلته وهي التسعمائة ، وأما المائة الأخرى فلم يذبحها ، وما في أيدي الناس من الخيل الجياد فمن نسل تلك المائة. قوله : (أي ذبحها وقطع أرجلها) أي وكان مباحا له ، ولذا لم يعاتبه الله عليه ، وهذا قول ابن عباس وأكثر المفسرين ، وقيل : الضمير في قوله : (رُدُّوها) عائد على الشمس ، والخطاب للملائكة الموكلين بها