للنبي صلىاللهعليهوسلم (كَمْ) أي كثيرا (أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أي أمة من الأمم الماضية (فَنادَوْا) حين نزول العذاب بهم (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (٣) أي ليس الحين حين قرار ، والتاء زائدة ، والجملة حال من فاعل نادوا ، أي استغاثوا ، والحال أن لا مهرب ولا منجى وما اعتبر بهم كفار مكة (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوّفهم النار بعد البعث ، وهو النبي صلىاللهعليهوسلم (وَقالَ الْكافِرُونَ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) (٤) (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) حيث قال لهم : قولوا : لا إله إلا الله ، أي كيف يسع الخلق كلهم إله واحد؟ (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٥) أي عجيب (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) من مجلس اجتماعهم عند أبي
____________________________________
بالذكر لأنهم سبب النزول ، وإلا فالمراد كل كافر. قوله : (أي كثيرا) أشار بذلك إلى أن (كَمْ) خبرية بمعنى كثيرا مفعول (أَهْلَكْنا) و (مِنْ قَرْنٍ) تمييز لها. قوله : (وَلاتَ حِينَ) اختلفت المصاحف في رسم التاء ، فبعضهم رسمها مفصولة ، وبعضهم رسمها متصلة بحين ، وينبني على هذا الاختلاف الوقف ، فبعضهم يقف على التاء ، وبعضهم على لا ، ومن يقف على التاء ، فجمهور السبعة يقفون على التاء المجرورة ، اتباعا لمرسوم الخط الشريف ، والأقل منهم يقف بالهاء ، وهذا الوقف للاختيار ، لا أنه من جملة الأوقاف الجائزة. قوله : (مَناصٍ) المناص يطلق على المنجي والمفر والتقدم والتأخر ، وكل هنا يناسب المقام. قوله : (أي ليس الحين) إلخ ، أشار بذلك إلى مذهب الخليل وسيبويه في لات ، من حيث إنها تعمل عمل ليس ، وان اسمها محذوف ، وهو وخبرها لفظ الحين ، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله :
وما للات في سوى حين عمل |
|
وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل |
قوله : (والتاء زائدة) أي لتأكيد النفي. قوله : (من فاعل نادوا) أي وهو الواو. قوله : (وما اعتبر) معطوف على (كَمْ أَهْلَكْنا). قوله : (وَعَجِبُوا) إلخ أي جعلوا مجيء رسول من جنسهم أمرا خارجا عن طوق العقل فيتعجب منه. قوله : (من أنفسهم) أي من جنسهم. قوله : (فيه وضع الظاهر) إلخ زيادة في التقبيح عليهم ، وإشعارا بأن كفرهم جسرهم على هذا القول. قوله : (ساحِرٌ) أي فيما يظهره من الخوارق. قوله : (كَذَّابٌ) ، أي فيما يسنده إلى الله من الإرسال والإنزال.
قوله : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ) إلخ ، الاستفهام تعجبي ، أي كيف يعلم الجميع ، ويقدر على التصرف فيهم إله واحد؟ وسبب هذا التعجب ، قياسهم للقديم على الحادث ، ولم يعلموا أنه واحد لا من قلة ، بل وحدته تعزز وانفراد ، تنزه الله عن مماثلة الحوادث له. قوله : (عجيب) أشار بذلك إلى أن (عُجابٌ) مبالغة في (عجيب). قوله : (عند أبي طالب) روي أنه لما أسلم عمر ، شق ذلك على قريش ، فاجتمع خمسة وعشرون من صناديدهم ، فأتوا أبا طالب فقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا ، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء ، وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فأحضره وقال له : يا ابن أخي ، هؤلاء قومك يسألونك السواء والإنصاف ، فلا تمل كل الميل على قومك ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ما ذا تسألونني؟ فقالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا ، وندعك وإلهك ، فقال : أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم ، أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها رقاب العرب ، وتدين لكم العجم ، فقالوا : نعم وعشر أمثالها ، فقال : قولوا لا إله إلا الله ،