كفار مكة (حَتَّى حِينٍ) (١٧٤) تؤمر فيه بقتالهم (وَأَبْصِرْهُمْ) إذا نزل بهم العذاب (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (١٧٥) عاقبة كفرهم فقالوا استهزاء : متى نزول هذا العذاب؟ قال تعالى تهديدا لهم : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) (١٧٦) (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) بفنائهم ، قال الفراء : العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم (فَساءَ) بئس صباحا (صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) (١٧٧) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) (١٧٨) (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (١٧٩) كرر تأكيدا لتهديدهم وتسلية له صلىاللهعليهوسلم (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) الغلبة (عَمَّا يَصِفُونَ) (١٨٠) بأن له ولدا (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (١٨١) المبلغين عن الله التوحيد والشرائع (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٢) على نصرهم وهلاك الكافرين.
____________________________________
بقتالهم) أي فكان أولا مأمورا بالتبليغ والصبر ، ثم لما كان في السنة الثانية من الهجرة ، أمر صلىاللهعليهوسلم بالجهاد ، وغزواته سبع وعشرون غزوة ، قاتل في ثمان منها بنفسه : بدر وأحد والمصطلق والخندق وقريظة وخيبر وحنين والطائف.
قوله : (وَأَبْصِرْهُمْ) (إذا نزل بهم العذاب) أي من القتل والأسر ، والمراد بالأمر : الدلالة على أن ذلك قريب كأنه واقع مشاهدة. قوله : (عاقبة كفرهم) أي من نزول العذاب بساحتهم. قوله : (تهديدا لهم) أي فليس الاستفهام على حقيقته ، بل المقصود تهديدهم. قوله : (تكتفي بذكر الساحة) أي تستغني على سبيل الكفاية ، فالمعنى : فإذا نزل بهم العذاب ، فشبه العذاب بجيش هجم عليهم ، فأناخ بفنائهم بغتة وهم في ديارهم ، ففي ضمير العذاب استعارة بالكناية ، والنزول تخييل. قوله : (بئس صباحا) أشار بهذا إلى أن الفاعل ضمير ، والتمييز محذوف ، والمذكور مخصوص ، والأوضح ما قاله غيره ، من أن المذكور هو الفاعل ، والمخصوص محذوف ، وعليه فالتقدير : بئس صباح المنذرين صباحهم. قوله : (فيه اقامة الظاهر مقام المضمر) أي في التعبير بالمنذرين ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال صباحهم.
قوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ) إلخ ، الغرض منه تعليم المؤمنين أن يقولوه ولا يغفلوا عنه ، لما روي عن علي كرم الله وجهه قال : من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة ، فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) إلخ ، وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير مرة ولا مرتين يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). قوله : (رَبِّ الْعِزَّةِ) أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها ، كأنه قيل : ذي العزة ، وقيل : المراد العزة المخلوقة الكائنة بين خلقه ، ويترتب على كل من القولين مسألة اليمين ، فعلى الأول ينعقد بها اليمين ، لأنها من صفات الله تعالى ، وعلى الثاني لا ينعقد ، لأنها من صفات المخلوق. قوله : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم.