هرب (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١٤٠) السفينة المملوءة حين غاضب قومه لما لم ينزل بهم العذاب الذي وعدهم به ، فركب السفينة فوقفت في لجة البحر ، فقال الملاحون : هنا عبد أبق من سيده تظهره القرعة (فَساهَمَ) قارع أهل السفينة (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) (١٤١) المغلوبين بالقرعة فألقوه في البحر (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) ابتعله (وَهُوَ مُلِيمٌ) (١٤٢) أي آت بما يلام عليه ، من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) (١٤٣) الذاكرين بقوله كثيرا في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك ، إني كنت من الظالمين (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٤٤) لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة (فَنَبَذْناهُ) ألقيناه من بطن الحوت (بِالْعَراءِ) بوجه الأرض أي بالساحل من يومه أو بعد ثلاثة أو سبعة أيام ، أو عشرين أو أربعين يوما (وَهُوَ سَقِيمٌ) (١٤٥) عليل كالفرخ الممعط (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) (١٤٦) وهي القرع تظله بساق على خلاف العادة في القرع ، معجزة له ، وكانت تأتيه وعلة صباحا ومساء ، يشرب من لبنها حتى قوي (وَأَرْسَلْناهُ) بعد ذلك كقبله إلى قوم بنينوى من أرض الموصل (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ)
____________________________________
قوله : (إِذْ أَبَقَ) ظرف لمحذوف تقديره اذكر ، كما تقدم نظيره ، وقوله : أبق : بابه فتح ، والإباق في الأصل : الهروب من السيد ، وإطلاقه على هروب يونس ، استعارة تصريحية ، فشبه خروجه بغير إذن ربه ، بإباق العبد من سيده. قوله : (حين غاضب قومه) المفاعلة على بابها ، لأنهم غاضبوه بعدم الانقياد له والإيمان به ، وهو غضب عليهم. قوله : (فركب السفينة) أي باجتهاد منه ، لظنه أنه إن بقي بينهم قتلوه ، لأنهم كانوا يقتلون كل من ظهر عليه كذب ، فركوب السفينة ليس معصية لربه ، لا صغيرة ولا كبيرة ، ومؤاخذته بحبسه في بطن الحوت على مخالفته الأولى ، فإن الأولى له انتظار الإذن من الله تعالى ، هذا هو الصواب في تحقيق المقام ، وهناك أقوال أخر ، اعتقادها يضر في العقيدة ، والعياذ بالله تعالى. قوله : (فوقفت) أي من غير سبب ، وقوله : (في لجة البحر) المراد به الدجلة. قوله : (فقال الملاحون) إلخ ، أي وكان من عادتهم أن السفينة إذا كان فيها آبق أو مذنب لم تسر. قوله : (قارع أهل السفينة) أي غالبهم ، قيل مرة واحدة ، وقيل ثلاثا. قوله : (فألقوه في البحر) قدره إشارة إلى أن قوله : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) مرتب على محذوف قوله : (أي آت بما لا يلام عليه) أي أو المعنى وهو مليم نفسه. قوله : (بقوله كثيرا) استفيدت الكثرة من جعله من المسبحين. قوله : (قبرا له) أي بأن يموت فيبقى في بطنه ميتا ، وقيل : بأن يبقى على حياته.
قوله : (فَنَبَذْناهُ) أي أمرنا الحوت بنبذه فنبذه. قوله : (بِالْعَراءِ) أي بالأرض المتسعة التي لا نبات بها. قوله : (من يومه) أي فالتقمه ضحى ونبذه عشية ، وما ذكره المفسر خمسة أقوال : الأول للشعبي ، والثاني لمقاتل ، والثالث لعطاء ، والرابع للضحاك ، والخامس للسدي. قوله : (الممعط) بضم الميم الأولى ، وتشديد الثانية مفتوحة ، بعدها عين مهملة ، بعدها طاء مهملة أيضا أي المنتوف الشعر. قوله : (وهي القرع) خص بذلك ، لأنه بارد الظل ، لين الملمس ، كبير الورق ، لا يعلوه الذباب ، وما ذكره المفسر أحد أقوال في تفسير اليقطين ، وقيل : كانت شجرة التين ، وقيل : شجرة الموز ، تغطى بورقه ، واستظل بأغصانه ، وأفطر على ثماره. قوله : (وعلة) إما بفتح الواو والعين ، أو بكسر الواو وسكون العين ، هي