ترتفع إلى دركاتها (طَلْعُها) المشبه بطلع النخل (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (٦٥) أي الحيات القبيحة المنظر (فَإِنَّهُمْ) أي الكفار (لَآكِلُونَ مِنْها) مع قبحها لشدّة جوعهم (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٦٦) (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) (٦٧) أي ماء حار يشربونه فيختلط بالمأكول منها فيصير شوبا له (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) (٦٨) يفيد أنهم يخرجون منها لشرب الحميم وأنه خارجها (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) وجدوا (آباءَهُمْ ضالِّينَ) (٦٩) (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (٧٠) يزعجون إلى اتباعهم فيسرعون إليه (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) (٧١) من الأمم الماضية (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) (٧٢) من الرسل مخوفين (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (٧٣) الكافرين ، أي عاقبتهم العذاب (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٧٤) أي المؤمنين ، فإنهم نجوا من العذاب لإخلاصهم في العبادة ، أو لأن الله أخلصهم لها على قراءة فتح اللام (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) بقوله : رب إني
____________________________________
قوله : (طَلْعُها) الطلع في الأصل ، اسم لثمر النخل أول بروزه ، فتسميته طلعا تهكم بهم. قوله : (أي الحياة القبيحة المنظر) أي ووجه الشبه الشناعة والسم في كل ، وما مشى عليه المفسر أحد أقوالثلاثة ، وقيل : شبه طلعها برؤوس الشياطين حقيقة ، ووجه الشبه القباحة ونفور النفس من كل ، لكن يرد عليه أنه تشبيه بغير معلوم للمخاطبين ، وأجيب : بأن الشيطان وإن كان غير معلوم في الخارج ، فهو معروف في الأذهان والخيالات ، كالغول فإنه مرسوم في خيال كل أحد بصورة قبيحة ، وقيل : الشياطين شجر في البادية معروف للمخاطبين. قوله : (لشدة جوعهم) أي ولقهرهم على الأكل منها زيادة في عذابهم.
قوله : (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) أي على ما يأكلونه منها ، إذا شبعوا وغلبهم العطش. قوله : (لَشَوْباً) بفتح الشين في قراءة العامة مصدر على أصله ، وقرىء شذوذا بضم الشين اسم بمعنى المشوب. قوله : (يفيد أنهم يخرجون منها) هذا أحد قولين ، والآخر وهو قول الجمهور ، أنهم لا يخرجون أصلا ، لقوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) وحينئذ فالمعنى أنه ينوع عذابهم وهم في النار ، فتارة يكون عذابهم بأكل الزقوم ، وتارة بشرب الحميم ، وتارة بالزمهرير ، وغير ذلك من أنواع العذاب ، فإذا كانوا مشغولين بأكل الزقوم وفرغوا منه ، يردون إلى الاشتغال بعذاب غيره ، والحال أنهم في النار لا يخرجون منها ، ويمكن التوفيق بين القولين ، بأن يحمل القول بأنه خارجها ، وعلى أنه في محل خارج عن المحل الذي يعذبون فيه ، وليس المراد أنه خارج النار بالكلية ، لمعارضته صريح النص ؛ فيخرجون إلى ذلك المحل للأكل والشرب ، ثم يردون إلى محل العذاب الذي كانوا فيه أولا.
قوله : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ) هذا تعليل لاستحقاقهم العذاب ، والمعنى : أن سبب استحقاقهم للعذاب ، تقليد آبائهم في الضلال ، في غير شيء يتمسكون به سوى التقليد. قوله : (يُهْرَعُونَ) أي من غير تأمل ولا تدبر. قوله : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) إلخ اللام فيه وفيما بعده موطئة لقسم حذوف ، وكل من الجملتين سبق لتسليته صلىاللهعليهوسلم. قوله : (فَانْظُرْ) خطاب للنبي أو لكل من يتأتى منه النظر. قوله : (إِلَّا عِبادَ اللهِ) استثناء منقطع ، لأن ما قبله وعيد ، وهم لم يدخلوا فيه. قوله : (لاخلاصهم في العبادة) أي على قراءة كسر اللام. قوله : (على قراءة فتح اللام) أي والقراءتان سبعيتان.