هو استفهام تلذذ وتحدث بنعمة الله تعالى من تأبيد الحياة وعدم التعذيب (إِنَّ هذا) الذي ذكر لأهل الجنة (لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٠) (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦١) قيل يقال لهم ذلك ، وقيل هم يقولونه (أَذلِكَ) المذكور لهم (خَيْرٌ نُزُلاً) وهو ما يعد للنازل من ضيف وغيره (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) (٦٢) المعدة لأهل النار ، وهي من أخبث الشجر المرّ بتهامة ، ينبتها الله في الجحيم كما سيأتي (إِنَّا جَعَلْناها) بذلك (فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) (٦٣) أي الكافرين من أهل مكة إذ قالوا : النار تحرق الشجر فكيف تنبته؟ (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) أي قعر جهنم وأغصانها
____________________________________
الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى). قوله : (هو استفهام تلذذ) أي فهو من كلام بعضهم لبعض ، وقيل : من كلام المؤمنين للملائكة حين يذبح الموت ، ويقال : يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت. قوله : (من تأبيد الحياة) إلخ ، لف ونشر مرتب. قوله : (الذي ذكر لأهل الجنة) أي من قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) إلخ. قوله : (لِمِثْلِ هذا) أي لا للحظوظ الدنيوية الفانية التي تزول ولا تبقى. قوله : (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) أي ليجتهد المجتهدون في الأعمال الصالحة ، فإن جزاءها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فإذا كان كذلك ، فلو أفنى الإنسان عمره في خدمة ربه ، ولم يشتغل بشيء سواها ، لكان ذلك قليلا بالنسبة لما يلقاه من النعيم الدائم ، جعلنا الله من أهله بمنه وكرمه. قوله : (قيل يقال لهم ذلك) أي ما ذكر من الجملتين من قبل الله تعالى ، وقوله : (وقيل هم يقولونه) أي يقول بعضهم لبعض ، ويبعد كلا من الاحتمالين. قوله : (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) فإن العمل والترغيب فيه ، إنما يكون في الدنيا ، فالأولى أنه جملة مستأنفة من كلام الله تعالى ، ترغيبا للمكلفين في عمل الطاعات.
قوله : (أَذلِكَ) معمول لمحذوف تقديره : قل يا محمد لقومك ، على سبيل التوبيخ والتبكيت (أَذلِكَ خَيْرٌ) إلخ. قوله : (المذكور لهم) أي لأهل الجنة من قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) إلخ. قوله : (نُزُلاً) تمييز لخير ، وقوله : (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ أَمْ) حرف عطف ، و (شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) معطوف على اسم الإشارة ، وهو مبتدأ حذف خبره لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير أم شجرة الزقوم خير نزلا. والتعبير بخير ، و (نُزُلاً) تهكم بهم وللمشاكلة. قوله : (من ضيف وغيره) الضيف من يأتي بدعوة ، وغيره من يأتي زائرا للمحبة والألفة ، وربما كان أعز من الضيف. قوله : (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) من التزقم ، وهو البلع بشدة وإكراه للأشياء الكريهة ، سميت بذلك ، لان أهل النار يكرهون على الأكل منها ، وهي شجرة مسمومة ، متى مست جسد أحد تورم فمات ، وهي خبيثة مرة كريهة الطعم. قوله : (وهي من أخبث الشجر) أي وهي صغيرة الورق منتنة.
قوله : (إِنَّا جَعَلْناها) (بذلك) أي بسبب إخبار الله تعالى بذلك. قوله : (فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) أي امتحانا واختبارا ، هل يصدقون أم لا؟ قوله : (إذ قالوا النار تحرق الشجر فكيف تنبته) أي ولم يعلموا أن القادر لا يعجزه شيء. قوله : (تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي تنبت في أسفلها. قوله : (إلى دركاتها) أي منازلها ، وذلك نظير شجرة طوبى لأهل الجنة ، فإن أصلها في عليين ، وما من بيت في الجنة إلا وفيه غصن منها.